للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِهَذَا لَزِمَتْهُ الدُّيُونُ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ صَحَّ فِي حَيَاتِهِ لِهَذَا صَحَّ الضَّمَانُ عَنْهُ إذَا خَلَفَ مَالًا أَوْ كَفِيلًا

ــ

[كشف الأسرار]

عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ ضَعْفُ الذِّمَّةِ أَوْ خَرَابُهَا فَيَكُونُ الدَّيْنُ غَيْرَ مُطَالَبٍ بِنَفْسِهِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ سُقُوطُهُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ لَا لِعَجْزٍ بِالْمَعْنَى فِينَا كَاَلَّذِي لَيْسَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ دَيْنٌ لَا يُمْكِنُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالدَّيْنِ لِعَدَمِ الدَّيْنِ لَا لِعَجْزٍ فِيهِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ كَذَا هُنَا بِخِلَافِ الدُّرَّةِ السَّاقِطَةِ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْأَخْذِ لِمَعْنًى فِينَا لَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُمْكِنِ الْأَخْذِ فِي نَفْسِهَا وَبِخِلَافِ الْكَفَالَةِ عَنْ الْمُفْلِسِ الْحَيِّ فَإِنَّ الذِّمَّةَ كَامِلَةٌ مُحْتَمِلَةٌ لِلدَّيْنِ بِنَفْسِهَا فَيَبْقَى الدَّيْنُ مُسْتَحَقَّ الْمُطَالَبَةِ كَمَا كَانَ إذْ لَا يَسْتَحِيلُ مُطَالَبَةُ الْمُفْلِسِ خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْإِفْلَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَبِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ فِيهِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى سَبِيلِ التَّأْجِيلِ فَيَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَالٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ وَعَرَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ هَذِهِ كَفَالَةٌ صَحِيحَةٌ مُبْتَدَأَةٌ عَلَى وَجْهٍ يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْكَفَالَةِ مِنْ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ وَالْمُلَازَمَةِ وَالْحَبْسِ وَالْجَبْرِ عَلَى الْقَضَاءِ بَلْ احْتَمَلَ الْإِقْرَارَ وَاحْتَمَلَ الْعِدَّةَ وَهِيَ أَقْرَبُ الْوُجُوهِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ لِلْغَائِبِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَا يَصِحُّ لِلْمَجْهُولِ بِلَا خِلَافٍ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا كَانَ يَتَبَيَّنُ بِالْمَالِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ إمْكَانُ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْهَلَاكِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ عَنْ الْمَيِّتِ وَتَعَذُّرَ الْإِيجَابِ عَلَيْهِ لِضَرُورَةِ ضَعْفِ الذِّمَّةِ أَوْ خَرَابِهَا لِذِمَّةِ الْمَيِّتِ الْمَدْيُونِ.

مُضَافًا صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ لُزُومًا مُضَافًا إلَى سَبَبٍ صَحَّ فِي حَيَاتِهِ بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَتَلَفَ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ مَالٌ بَعْدَ مَوْتِهِ لَزِمَ ضَمَانُ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَضَمَانُ الْمَالِ فِي مَالِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ لَمَّا وُجِدَ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ أَمْكَنَ إسْنَادُ الْوُجُوبِ إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ وَقَدْ كَانَتْ الذِّمَّةُ صَالِحَةً لِلْوُجُوبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالضَّمَانِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ الْإِيجَابِ بِإِمْكَانِ إسْنَادِهِ إلَى حَالِ كَمَالِ الذِّمَّةِ وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّيْنَ بِنَفْسِهَا وَلَكِنَّهَا إذًا تَفُوتُ بِالْمُؤَكَّدِ احْتَمَلَتْهُ صَحَّ الضَّمَانُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا خَلَفَ مَالًا أَوْ كَفِيلًا لِأَنَّهُ تَرَكَ مَالًا فَقَدْ تَفُوتُ الذِّمَّةُ بِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاسْتِيفَاءِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوُجُوبِ وَقَدْ صَارَ الْمَالُ عَوْنًا لِلذِّمَّةِ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ لِتَحَمُّلِ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَبْقَى الدَّيْنُ بِبَقَائِهِ فَتُصْبِحُ الْكَفَالَةُ وَكَذَا إذَا خَلَفَ كَفِيلًا لِأَنَّ ذِمَّةَ الْكَفِيلِ لَمَّا انْضَمَّتْ إلَى ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فِي تَحَمُّلِ الْمُطَالَبَةِ تَفُوتُ ذِمَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِبَقَاءِ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَلِأَنَّ السُّقُوطَ لِضَرُورَةِ ضَعْفِ الذِّمَّةِ صَحَّ الضَّمَانُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا خَلَفَ مَالًا أَوْ كَفِيلًا لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا خَلَفَ مَالًا أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِ وَمُطَالَبَةُ الْوَصِيِّ بِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَرِيمِ بِالْمَالِ فِي حَالِ الْمَرَضِ وَلَمَّا تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِالْمَالِ حَالَ قِيَامِ الذِّمَّةِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالْمَالِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلِاسْتِيفَاءِ بَقِيَ الدَّيْنُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ سُقُوطَهُ لَمْ يَكُنْ بِاعْتِبَارِ بَرَاءَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ أَصْلًا بَلْ لِضَرُورَةٍ رَاجِعَةٍ إلَى الْمَحَلِّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَإِذَا وُجِدَ لَهُ مَحَلٌّ بِوَجْهٍ يَبْقَى وَالْمَالُ مَحَلُّ الِاسْتِيفَاءِ فَيَبْقَى فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ وَلَمَّا بَقِيَ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ.

وَإِذَا خَلَفَ كَفِيلًا تَحَوَّلَ الدَّيْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>