للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا ضُمَّتْ الْمَالِيَّةُ إلَيْهَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ صَحَّ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُطَالَبٌ بِهِ لَكِنَّا عَجَزْنَا عَنْهَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ انْعَدَمَ لِمَعْنًى فِي مَحَلِّ الدَّيْنِ لَا لِعَجْزِنَا لِمَعْنًى فِينَا

ــ

[كشف الأسرار]

عَنْهُ رَجُلٌ صَحَّ هَذَا التَّكَفُّلُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مُطَالَبًا بِهِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْعَبْدِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَامِلَةٌ لِأَنَّهُ حَيٌّ عَاقِلٌ بَالِغٌ مُكَلَّفٌ فَتَكُونُ مَحَلًّا لِلدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةُ ثَابِتَةٌ إذْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى فَيُطَالَبُ فِي الْحَالِ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمَوْلَى فَيُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَمَّا تُصُوِّرَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي الْحَالِ وَفِي ثَانِي الْحَالِ بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِهِ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْأَصِيلُ غَيْرَ مُطَالَبٍ بِهِ لِأَنَّ تَأَخُّرَ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْأَصِيلِ مَعَ تَوَجُّهِهَا لِعُذْرٍ عَدَمٌ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ كَمَنْ كَفَلَ بِدَيْنٍ عَنْ مُفْلِسٍ حَيٍّ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يُؤَاخَذْ الْأَصِيلُ بِهِ لِأَنَّ الْعُذْرَ الْمُؤَخَّرَ وَهُوَ الْإِفْلَاسُ مُخْتَصٌّ بِالْأَصِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى الْأَصِيلِ حَيْثُ لَا يُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ قَدْ سَقَطَتْ عَنْ الْأَصِيلِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَلَا يَقْدِرُ الْكَفِيلُ عَلَى الْتِزَامِهَا حَالَةً وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ضُمَّتْ الْمَالِيَّةُ إلَيْهَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَمَّا كَمُلَتْ ذِمَّتُهُ فِي حَقِّهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ ضَمُّ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِهَا الدَّيْنَ كَمَا فِي حَقِّ الْحُرِّ فَقَالَ إنَّمَا ضُمَّتْ مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ إلَى الذِّمَّةِ لِأَجْلِ احْتِمَالِ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِيُمْكِنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِيَّةِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمَوْلَى إذَا أَظْهَرَ الدَّيْنَ فِي حَقِّهِ لَا لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ مَالًا وَلَا كَفِيلًا لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إذْ الْمَوْتُ لَمْ يُشْرَعْ مُبْرِمًا لِلْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَلَا مُبْطِلًا لَهَا.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخْلَفَ كَفِيلًا بِهِ ثُمَّ كَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّ وَلَوْ كَانَ مَوْتُهُ مُفْلِسًا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ عَنْهُ لَمَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ بِهِ كَفِيلٌ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَيِّتَ أَهْلٌ لِوُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَتَلَفَ فِيهَا مَالٌ أَوْ إنْسَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فَلَأَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْوَاجِبُ فِي حَيَاتِهِ كَانَ أَوْلَى فَثَبَتَ أَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ وَاجِبُ التَّسْلِيمِ وَالْإِيفَاءُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ مُطَالَبٌ حَقًّا لِلْمُدَّعِي وَلِهَذَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ وَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ عَنْ الْمَيِّتِ بِالْأَدَاءِ يَثْبُتُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ فَوْقَ الْمُطَالَبَةِ إذْ الِاسْتِيفَاءُ هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهَا فَلَمَّا كَانَ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ بَاقِيًا عُلِمَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ مَمْلُوكَةٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُطَالَبَةِ لِإِفْلَاسِ الْمَيِّتِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَدَاءِ كَدُرَّةٍ لِإِنْسَانٍ أَسْقَطَهَا آخَرُ فِي الْبَحْرِ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِصَاحِبِهَا وَلَا يَأْخُذُهَا لِلْعَجْزِ وَالْعَجْزُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ حَيٍّ مُفْلِسٍ وَكَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا قَالُوا وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا مُؤَيَّدٌ بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ فَقَالُوا نَعَمْ دِرْهَمَانِ أَوْ دِينَارَانِ فَامْتَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ عَلِيٌّ وَأَبُو قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ» فَلَوْ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لَمَا صَلَّى لِأَنَّ الْمَانِعَ كَانَ هُوَ الدَّيْنُ وَمَتَى لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُهُ فَبَقِيَ مَانِعًا.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الدَّيْنَ مُطَالَبٌ بِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَدَمَ أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>