للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قِيلَ أَنَّ الْكَفَالَةَ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ لَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَأَنَّ الدَّيْنَ سَاقِطٌ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْمُطَالَبَةِ وَقَدْ عُدِمَتْ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ يُقِرُّ بِالدَّيْنِ فَيَكْفُلُ رَجُلٌ عَنْهُ صَحَّ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ فِي حَقِّهِ كَامِلَةٌ

ــ

[كشف الأسرار]

الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي شَرَعَ عَلَيْهِ لِحَاجَةِ غَيْرِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ.

فَإِنْ كَانَ حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْمَبِيعِ الْوَدِيعَةِ يَبْقَى بِبَقَائِهِ أَيْ بِبَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ فِي الْعَيْنِ غَيْرُ مَقْصُودٍ إذْ الْمَقْصُودُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ هُوَ الْمَالُ وَالْفِعْلُ تَبَعٌ لِتَعَلُّقِ حَوَائِجِهِمْ بِالْأَمْوَالِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَبْقَى حَقُّ الْعَبْدِ فِي الْعَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَإِنْ فَاتَ الْفِعْلُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ بَلْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهُ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ كَالنَّفَقَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَالدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ بِالْمُعَاوَضَةِ فَإِنْ كَانَ دَيْنًا لَمْ يَبْقَ بِمُجَرَّدِ الذِّمَّةِ حَتَّى يُضَمَّ إلَيْهِ أَيْ إلَى الذِّمَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمُجَرَّدِ لِأَنَّ الرِّقَّ يُرْجَى زَوَالُهُ غَالِبًا يَعْنِي بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَهَذَا أَيْ الْمَوْتُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ غَالِبًا وَإِنْ احْتَمَلَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ كَمَا كَانَ فِي زَمَانِ عِيسَى وَعُزَيْرٍ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بِطَرِيقِ الْمُعْجِزَةِ فَلَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ ذِمَّةُ الْعَبْدِ الدَّيْنَ بِدُونِ انْضِمَامِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَالْكَسْبِ إلَيْهَا لِضَعْفِهَا لَا تَحْتَمِلُهُ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَحْتَمِلُ الدَّيْنَ بِنَفْسِهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْكَفَالَةَ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ لَا تَصِحُّ إذَا لَمْ يَبْقَ كَفِيلٌ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمَّا خَرِبَتْ أَوْ ضَعُفَتْ بِالْمَوْتِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الدَّيْنَ بِنَفْسِهَا صَارَ الدَّيْنُ كَالسَّاقِطِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَإِنْ بَقِيَ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الذِّمَّةَ ثَابِتَةٌ لِلْإِنْسَانِ بِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا مُتَحَمِّلًا أَمَانَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِالْمَوْتِ خَرَجَ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ وَالتَّحَمُّلِ لِعَدَمِ صَلَاحِهِ لَهُمَا فَعَرَفْنَا أَنَّ ذِمَّتَهُ لَمْ تَبْقَ صَالِحَةً لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَإِنْ بَقِيَتْ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ لِكَوْنِ الْمَيِّتِ مُعَدًّا لِلْحَيَاةِ الْآخِرَةِ كَالْجَنِينِ مُعَدًّا لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ فِيهَا ابْتِدَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَمَا يُشْتَرَطُ الْمَحَلُّ لِابْتِدَاءِ الِالْتِزَامِ يُشْتَرَطُ لِبَقَاءِ الْحَقِّ لِأَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ فَثَبَتَ أَنَّ الدَّيْنَ لَمْ تَبْقَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِعَدَمِ مَحَلِّهِ وَيَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا مَا أُشِير إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ أَيْ وُجُودَهُ يُعْرَفُ بِالْمُطَالَبَةِ وَلِهَذَا فَسَّرَ الدَّيْنَ بِأَنَّهُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي تَوْجِيهِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ هَاهُنَا لِاسْتِحَالَةِ مُطَالَبَةِ الْمَيِّتِ بِالدَّيْنِ وَعَدَمِ جَوَازِ مُطَالَبَةِ غَيْرِهِ إذْ لَمْ يَبْقَ مَالٌ يُؤْمَرُ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ وَلَا كَفِيلٌ يُطَالَبُ بِهِ وَالْكَفَالَةُ شُرِعَتْ لِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ لَا لِالْتِزَامِ أَصْلِ الدَّيْنِ بِدَلِيلِ بَقَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا كَانَ قَبْلَهَا وَاسْتِحَالَةُ حُلُولِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مَحَلَّيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ عُدِمَتْ الْمُطَالَبَةُ هَاهُنَا فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ سُقُوطِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا الدَّيْنَ فِي حُكْمِ الْمُطَالَبَةِ دُونَ دَيْنِ الْكِتَابَةِ إذْ الْمُكَاتَبُ يُطَالِبُ بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْبَسُ فِيهِ وَهُنَاكَ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ لِتَأَدِّيهَا إلَى أَنْ يَكُونَ مَا عَلَى الْكَفِيلِ أَزِيدَ مِمَّا عَلَى الْأَصِيلِ فَهُنَا أَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى أَنْ يَلْزَمَ عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَيْسَ عَلَى الْأَصِيلِ أَصْلًا.

بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ يُقِرُّ بِالدَّيْنِ فَتَكَفَّلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>