للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَكُنْ فِي قَضَائِهِ حَرَجٌ فَلَمْ يَسْقُطْ أَصْلُهُ وَأَحْكَامُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَثِيرَةٌ لَا يُحْصَى عَدَدُهَا.

وَأَمَّا الْمَوْتُ فَإِنَّهُ عَجْزٌ كُلُّهُ مُنَافٍ لِأَهْلِيَّةِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا مِمَّا فِيهِ تَكْلِيفٌ حَتَّى وُضِعَتْ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا عَنْهُ وَالْأَحْكَامُ نَوْعَانِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا وَأَحْكَامُ الْآخِرَةِ فَأَمَّا أَحْكَامُ الدُّنْيَا فَأَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ قِسْمٌ مِنْهَا مَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ وَالثَّانِي مَا شُرِعَ عَلَيْهِ لِحَاجَةِ غَيْرِهِ وَمِنْهَا مَا شُرِعَ لَهُ لِحَاجَتِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ هَذِهِ أَحْكَامُ الدُّنْيَا فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَقَدْ وُضِعَ عَنْهُ لِفَوَاتِ غَرَضِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ عَنْ اخْتِيَارٍ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الزَّكَاةَ يَبْطُلُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْقُرَبِ وَإِنَّمَا يَبْقَى عَلَيْهِ الْمَأْثَمُ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَإِنَّهُ إنْ كَانَ حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ يَبْقَى بِبَقَائِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِيهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا لَمْ يَبْقَ بِمُجَرَّدِ الذِّمَّةِ حَتَّى يُضَمَّ إلَيْهِ مَالٌ أَوْ مَا يُؤَكِّدُ بِهِ الذِّمَمَ وَهُوَ ذِمَّةُ الْكَفِيلِ لِأَنَّ ضَعْفَ الذِّمَّةِ بِالْمَوْتِ فَوْقَ الضَّعْفِ بِالرِّقِّ لِأَنَّ الرِّقَّ يُرْجَى زَوَالُهُ غَالِبًا وَهَذَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ غَالِبًا فَقِيلَ إنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الدَّيْنَ بِنَفْسِهَا

ــ

[كشف الأسرار]

بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يَظْهَرُ لُزُومُهَا فِيمَا وَرَاءِ صِحَّةِ الْأَدَاءِ بَلْ جُعِلَ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ كَأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَأَنَّهَا تَرَكَتْ الْأَدَاءَ مُخْتَارًا فَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَلَمْ يَكُنْ فِي قَضَائِهِ أَيْ قَضَاءِ الصَّوْمِ حَرَجٌ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْرِقًا لِوَقْتِ الصَّوْمِ وَهُوَ الشَّهْرُ فَلَمْ يَسْقُطْ أَصْلُ الصَّوْمِ أَيْ أَصْلُ وُجُوبِهِ عَنْ الذِّمَّةِ وَإِنْ سَقَطَ أَدَاؤُهُ كَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مَا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.

فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّفَاسُ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ إذَا اسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ كَمَا كَانَ مُسْقِطًا لِقَضَاءِ الصَّلَاةِ قُلْنَا حُكْمُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَيْضِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْحَيْضُ مُسْقِطًا لِلصَّوْمِ بِوَجْهٍ كَانَ حُكْمُ النِّفَاسِ كَذَلِكَ وَإِنْ اسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ وَلَمَّا أَسْقَطَ الْحَيْضُ الصَّلَاةَ لَا مَحَالَةَ أَسْقَطَ النِّفَاسُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ وَكَذَا وُقُوعُهُ فِي وَقْتِ الصَّوْمِ مِنْ النَّوَادِرِ فَلَا يُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ كَالْإِغْمَاءِ إذَا اسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ وُقُوعَهُمَا فِي آوَانِ الصَّلَاةِ مِنْ اللَّوَازِمِ فَأَثَّرَ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ لِدُخُولِ الْوَاجِبِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ لَا مَحَالَةَ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْجُنُونُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ وَإِنْ كَانَ وُقُوعُهُ فِي وَقْتِ الصَّوْمِ مِنْ النَّوَادِرِ أَيْضًا لِأَنَّ الْجُنُونَ مُعْدِمٌ لِلْأَهْلِيَّةِ أَصْلًا فَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يُسْقِطَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالِاسْتِحْسَانِ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ كَمَا بَيَّنَّا فَأَمَّا النِّفَاسُ فَلَا يُخِلُّ بِالْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فَاقْتَرَفَا كَذَا فِي بَعْضِ فَوَائِدِ هَذَا الْكِتَابِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمَوْتُ) فَكَذَا، الْمَوْتُ ضِدُّ الْحَيَاةِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ وَلِهَذَا قِيلَ تَفْسِيرُ الْمَوْتِ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ تَفْسِيرٌ بِلَازِمِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ضِدَّ الْحَيَاةِ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ زَوَالُ الْحَيَاةِ وَلَمَّا كَانَتْ الْحَيَاةُ مِنْ أَسْبَابِ الْقُدْرَةِ كَانَ الْمَوْتُ مُوجِبًا لِلْعَجْزِ لَا مَحَالَةَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ فَلِهَذَا قَالَ إنَّهُ عَجْزٌ كُلُّهُ أَيْ لَيْسَ فِيهِ جِهَةُ الْقُدْرَةِ بِوَجْهٍ.

وَاحْتَرَزَ عَنْ الْمَرَضِ وَالرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَالْجُنُونِ فَإِنَّ الْعَجْزَ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ مُتَحَقِّقٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِخَالِصٍ لِبَقَاءِ نَوْعِ قُدْرَةٍ فِيهَا لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ مُنَافٍ لِأَهْلِيَّةِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا مِمَّا فِيهِ تَكْلِيفٌ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِأَحْكَامِ الدُّنْيَا يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ فَإِذَا تَحَقَّقَ الْعَجْزُ اللَّازِمُ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا ضَرُورَةً وَهُوَ الْأَدَاءُ عَنْ اخْتِيَارِ هَذَا الْغَرَضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ فَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْلِيفِ تَحَقُّقُ الِابْتِلَاءِ لِيَظْهَرَ مَا عُلِمَ مَعَ بَقَاءِ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مُبْتَلًى بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيُثَابَ بِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيُعَاقَبَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا أَيْ وَلِفَوْتِ الْغَرَضِ وَهُوَ الْأَدَاءُ عَنْ اخْتِيَارٍ قُلْنَا إنَّ الزَّكَاةَ تَبْطُلُ أَيْ تَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا حَتَّى لَا يَجِبَ أَدَاؤُهَا مِنْ التَّرِكَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا وَقَدْ فَاتَ وَعِنْدَهُ الْمَالُ هُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ الْفِعْلِ حَتَّى لَوْ ظَفِرَ الْفَقِيرُ بِمَالِ الزَّكَاةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ وَسَقَطَ الزَّكَاةُ بِهِ عِنْدَهُ كَمَا فِي دَيْنِ الْعِبَادِ وَعِنْدَنَا لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْأَخْذِ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الزَّكَاةُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ حُكْمِ الزَّكَاةِ حُكْمُ سَائِرِ الْقُرَبِ فِي السُّقُوطِ وَإِنَّمَا يَبْقَى عَلَيْهِ الْمَأْثَمُ لَا غَيْرُ لِأَنَّ الْإِثْمَ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْأَحْيَاءِ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْقِسْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>