للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَإِنَّهُمَا لَا يُعْدِمَانِ أَهْلِيَّةً بِوَجْهٍ لَكِنَّ الطَّهَارَةَ لِلصَّلَاةِ شَرْطٌ وَقَدْ شُرِعَتْ بِصِفَةِ الْيُسْرِ الْأَدَاءُ وَفِي وَضْعِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مَا يُوجِبُ الْحَرَجَ فِي الْقَضَاءِ فَلِذَلِكَ وُضِعَ عَنْهُمَا وَقَدْ جُعِلَتْ الطَّهَارَةُ عَنْهُمَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّوْمِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْقَضَاءِ

ــ

[كشف الأسرار]

تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمَرِيضِ مِنْ الْغَرِيمِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ يَجُوزُ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ كَمَا فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ فَكَانَ الضَّمِيرُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِهِمْ رَاجِعًا إلَى الْوَرَثَةِ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَكَانَ لَفْظُ الْغَيْرِ مُتَنَاوِلًا لِلْغُرَمَاءِ وَالْأَجَانِبِ جَمِيعًا أَيْ حَقُّ الْكُلِّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ فَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ صُورَةً وَمَعْنًى فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ مَعْنًى فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَجَانِبِ وَالْغُرَمَاءِ وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ مَعْنًى لَا صُورَةً فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ إعْتَاقُ الْمَرِيضِ وَاقِعًا عَلَى مَحَلٍّ مَشْغُولٍ بِعَيْنِهِ بِحَقِّ الْغَيْرِ أَيْ حَقِّ مِلْكِ الرَّقَبَةِ صُورَةً وَمَعْنًى بِالصُّورَةِ فَلَمْ يَنْفُذْ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهَذَا أَيْ الْمَرَضُ مَعَ أَحْكَامِهِ أَصْلٌ كَثِيرُ الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ) فَكَذَا الْحَيْضُ فِي الشَّرِيعَةِ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ الْمَرْأَةِ السَّلِيمَةِ عَنْ الدَّاءِ وَالصِّغَرِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ رَحِمُ الْمَرْأَةِ عَنْ الرُّعَافِ وَالدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَعَنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا رَحِمٍ وَبِقَوْلِهِ السَّلِيمَةُ عَنْ الدَّاءِ عَنْ النِّفَاسِ فَإِنَّ النُّفَسَاءَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضَةِ حَتَّى اعْتَبَرَ تَصَرُّفَهَا مِنْ الثُّلُثِ وَبِالصِّغَرِ عَنْ دَمٍ تَرَاهُ مَنْ هِيَ دُونَ بِنْتِ تِسْعِ السِّنِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي الشَّرْعِ وَالنِّفَاسُ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ وَأَنَّهُمَا لَا يَعْدِمَانِ أَهْلِيَّةً لَا أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَلَا أَهْلِيَّةَ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُمَا لَا يُخِلَّانِ بِالذِّمَّةِ وَلَا بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَلَا بِقُدْرَةِ الْبَدَنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَسْقُطَ بِهِمَا الصَّلَاةُ كَمَا لَا يَسْقُطُ الصَّوْمُ لَكِنَّ الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شُرِطَتْ لِلصَّلَاةِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ كَالطَّهَارَةِ عَنْ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ وَقَدْ شُرِعَتْ الصَّلَاةُ بِصِفَةِ الْيُسْرِ فَإِنَّهَا وَإِنْ وَجَبَتْ بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ لَكِنْ فِي شَرْعِهَا نَوْعُ يُسْرٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا وَجَبَتْ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَلَمْ تَجِبْ خَمْسِينَ مَرَّةً كَمَا فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ فِيهَا حَتَّى لَوْ لَحِقَ الْمُصَلِّيَ حَرَجٌ فِي الْقِيَامِ سَقَطَ الْقِيَامُ عَنْهُ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ إلَى الْإِيمَاءِ وَالِاسْتِلْقَاءِ عَلَى الظَّهْرِ عَلَى مَا عُرِفَ.

وَفِي فَوْتِ الشَّرْطِ فَوْتُ الْأَدَاءِ ضَرُورَةً لِتَوَقُّفِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ وَفِي وَضْعِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مَا يُوجِبُ الْحَرَجَ فِي الْقَضَاءِ أَيْ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ الْحَيْضَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَقَلَّ فِي ثَلَاثِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا كَانَ الْوَاجِبُ دَاخِلًا فِي حَدِّ التَّكْرَارِ لَا مَحَالَةَ وَكَذَا النِّفَاسُ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَيَتَضَاعَفُ الْوَاجِبَاتُ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا فَلِذَلِكَ أَيْ لِلُزُومِ الْحَرَجِ وُضِعَ أَيْ أُسْقِطَ الْقَضَاءُ عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَقَدْ جُعِلَتْ الطَّهَارَةُ عَنْهُمَا أَيْ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّوْمِ أَيْضًا نَصًّا وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْحَائِضُ تَدَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ أَقْرَائِهَا» وَمَا رُوِيَ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ لِامْرَأَةٍ سَأَلَتْهَا مَا بَالُنَا نَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا نَقْضِي الصَّلَاةَ فِي الْحَيْضِ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا نَقْضِي الصَّلَاةَ» بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَتَأَدَّى مَعَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَدَّى مَعَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَيْضًا لَوْلَا النَّصُّ فَيُؤَثِّرُ اشْتِرَاطُهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ الْأَدَاءِ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْقَضَاءِ أَيْ إلَى إسْقَاطِ الْقَضَاءِ يَعْنِي لَمَّا كَانَتْ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطًا لِأَدَاءِ الصَّوْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>