للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ بِالْمَالِ صُورَةً وَمَعْنًى فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ وَمَعْنًى فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ صَارَ إعْتَاقُهُ وَاقِعًا عَلَى مَحَلٍّ مَشْغُولٍ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي مِلْكِ الْيَدِ دُونَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلِذَلِكَ نَفَذَ هَذَا وَلَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ وَهَذَا أَصْلٌ لَا تُحْصَى فُرُوعُهُ.

ــ

[كشف الأسرار]

بِسَبَبِ الْعَجْزِ كَالْفِدْيَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْإِنْفَاقِ فِي الْحَجِّ.

وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ بِنَفْسِهِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمِيرَاثِ ثُمَّ إنْ أَوْصَى بِهِ يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ يَسْقُطُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ أَدَّاهُ بِنَفْسِهِ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ يَصِيرُ دَيْنًا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ كَدُيُونِ الْعِبَادِ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِشَارَةً إلَى الْخِلَافِ فِيهَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَبَّهَ فِيهِ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِدَيْنِ الْعِبَادِ بِقَوْلِهِ «أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ أَكُنْت تَقْضِينَهُ» الْحَدِيثَ. ثُمَّ دَيْنُ الْعِبَادِ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمِيرَاثِ فَكَذَا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَبِأَنَّهُ حَقٌّ كَانَ مُطَالَبًا بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَتَجْرِي النِّيَابَةُ فِي إبْقَائِهِ فَيُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَدُيُونِ الْعِبَادِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ خَلَفٌ عَنْ الذِّمَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي تُقْضَى بِالْمَالِ وَالْوَارِثُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُورَثِ فِي أَدَاءِ مَا يَجْرِي النِّيَابَةُ فِي أَدَائِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ الْإِيصَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْأَدَاءِ فَكَذَلِكَ قَبْلَهُ وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَصَارَ مِلْكًا لِلْوَارِثِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَارِثِ شَيْءٌ لِيُؤْخَذَ مِلْكُهُ بِهِ فَلَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مَتَى اجْتَمَعَ مَعَ حَقِّ الْعَبْدِ فِي مَحَلٍّ يُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ الْوَاجِبُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلُ الْإِيتَاءِ لَا نَفْسُ الْمَالِ وَلَا يَصْلُحُ فِيهِ إقَامَةُ الْمَالِ مَقَامَ الذِّمَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْوَارِثُ نَائِبًا فِي الْأَدَاءِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَخِلَافَةُ الْوَارِثِ تَثْبُتُ جَبْرًا بِدُونِ اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُورَثِ وَبِمِثْلِهَا لَا يَتَأَدَّى الْعِبَادَةُ وَاسْتِيفَاءُ الْوَاجِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إيجَابُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَمْ يَبْقَ أَصْلًا إلَّا أَنْ يُوصِيَ فَيَكُونُ نَظِيرُ وَصِيَّتِهِ بِسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ فَيَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ قَوْلُهُ (وَلَمَّا تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ إلَى آخِرِهِ) إشَارَةً إلَى الْجَوَابِ عَمَّا قِيلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْمَرْهُونِ كَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَرِيمِ وَالْوَارِثِ بِالْمَالِ فِي الْمَرَضِ بَلْ هُوَ أَقْوَى لِأَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ لِلرَّاهِنِ وَحَقُّ الْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَمْنَعُ نَفَاذَ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ حَقَّ الْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ أَيْضًا لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فَقَالَ إنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ بِالْمَالِ صُورَةً وَمَعْنًى فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ.

أَمَّا مَعْنًى فَظَاهِرٌ وَأَمَّا صُورَةً فَلِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِأَكْثَرَ كَمَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يُحَابِيَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ أَنْ يَأْخُذَ بِنَصِيبِهِ عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ أَيْضًا بِدُونِ رِضَاءِ الْبَاقِي وَمَعْنًى فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ وَهُمْ الْأَجَانِبُ حَتَّى جَازَ بَيْعُهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَسَوْقُ هَذَا الْكَلَامِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ صُورَةً وَمَعْنًى كَحَقِّ الْوَارِثِ لَكِنَّهُ نَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْنَى وَهُوَ الْمَالِيَّةُ لَا بِعَيْنِ الْمَالِ وَلِهَذَا كَانَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ الْعَيْنَ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا أَنَّ الْحُرَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ إذَا بَاعَ مَالَهُ مِنْ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ صَحَّ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَلَكِنْ لَوْ حَاصَّ الثَّمَنَ بِدَيْنِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِي الْمَقَاصِدِ إيثَارًا لِلْبَعْضِ بِالْقَضَاءِ وَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ كَالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>