للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا صَارَ التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ سَائِرِ وُجُوهِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْمَوْتَ مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافَةِ فَيَصِيرُ التَّعْلِيقُ بِهِ وَهُوَ كَائِنٌ بِيَقِينِ إيجَابِ حَقٍّ لِلْحَالِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ

ــ

[كشف الأسرار]

بِأَنْ قَالَ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ تَمْلِيكًا بِأَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ التَّعْلِيقِ الْإِضَافَةُ يُخَالِفُ سَائِرَ وُجُوهِ التَّعْلِيقِ حَتَّى صَحَّ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِهِ إذْ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ هُوَ التَّعْلِيقُ وَلَمْ يَصِحَّ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ وَلَزِمَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَجُزْ إبْطَالُهُ بِالْبَيْعِ عِنْدَنَا وَلَمْ يَلْزَمْ تَعْلِيقُهُ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ حَتَّى جَازَ إبْطَالُهُ بِالْبَيْعِ وَكَذَا التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ السَّبَبِ فِي الْحَالِ كَشَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَحَاصِلُ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الَّذِي عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ دَبَّرْتُكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ بِأَنْ قَالَ الْمَوْلَى إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا وَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي يَجُوزُ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ لِأَنَّهُ إيجَابٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ كَانَ إيجَابًا لِلْحَالِ لَمَا اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ وَلَا يُقَالُ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لَازِمَةٌ لِأَنَّهَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِشَرْطٍ.

لِأَنَّا نَقُولُ اللُّزُومُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ الْمَحْلُوفِ بِعِتْقٍ جَائِزٌ سَوَاءٌ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطٍ كَائِنٍ كَمَجِيءِ غَدٍ أَوْ بِشَرْطٍ فِيهِ خَطَرٌ كَدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا شَخْصٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَتَحْقِيقُهُ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافَةِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمَوَارِيثِ فَيَصِيرُ التَّعْلِيقُ أَيْ تَعْلِيقُ الْإِيجَابِ إسْقَاطًا كَانَ أَوْ تَمْلِيكًا بِالْمَوْتِ وَهُوَ أَمْرٌ كَائِنٌ بِيَقِينِ إيجَابِ حَقٍّ لِمَنْ وَقَعَ لَهُ الْإِيجَابُ فِي الْحَالِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمَيِّتِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ كَائِنٌ بِيَقِينٍ لِبَيَانِ تَحْقِيقِ الْخِلَافَةِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ كَانَ التَّعْلِيقُ بِهِ إثْبَاتَ الْخِلَافَةِ بِلَا شَكٍّ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الْبُرْغَرِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنَّ الْإِيصَاءَ إثْبَاتُ عَقْدِ الْخِلَافَةِ فِي مِلْكِهِ لِلْمُوصَى لَهُ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَارِثِ فَاعْتُبِرَ لِلْحَالِ سَبَبًا لِإِثْبَاتِ الْخِلَافَةِ كَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَالَ الْمَوْتِ حَالُ زَوَالِ الْمِلْكِ وَتَعْلِيقُ الْإِيجَابِ إسْقَاطًا كَانَ أَوْ تَمْلِيكًا بِحَالِ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَصِحُّ فَعُلِمَ أَنَّ السَّبَبَ يَكُونُ مُنْعَقِدًا حَالَ بَقَاءِ الْمِلْكِ وَالْحَقُّ ثَابِتٌ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّأْجِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخِلَافَةَ يَعْنِي الْخِلَافَةَ الثَّابِتَةَ بِالشَّرْعِ إذَا ثَبَتَ سَبَبُهَا وَهُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ ثَبَتَ بِذَلِكَ السَّبَبُ حَقٌّ لِلْخَلِيفَةِ وَهُوَ الْوَارِثُ يَصِيرُ الْمَرِيضُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَهُ مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ الَّذِي يُبْطِلُ ذَلِكَ الْحَقَّ فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ سَبَبُ الْخِلَافَةِ بِالنَّصِّ أَيْ بِتَنْصِيصِ الْأَصْلِ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ يَثْبُتُ لِلْمُوصَى لَهُ وَلِلْعَبْدِ بِهَذَا السَّبَبِ حَقٌّ فِي الْمُوصَى بِهِ وَفِي الرَّقَبَةِ فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ الْمُوصَى مَحْجُورًا عَنْ إبْطَالِهِ إذَا كَانَ لَازِمًا.

وَصَارَ الْمَالُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ أَيْ ثَمَرَاتِ ثُبُوتِ سَبَبِ الْخِلَافَةِ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْإِيصَاءَ إثْبَاتٌ لِلْخِلَافَةِ وَالْمِلْكِ يَثْبُتُ حُكْمًا لِثُبُوتِ سَبَبِ الْخِلَافَةِ لَا أَنْ يَكُونَ الْإِيصَاءُ تَصَرُّفًا فِي الْمَالِ قَصْدًا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي وَلَا مَالَ لَهُ يَصِحُّ حَتَّى لَوْ حَدَثَ لَهُ مَالٌ ثُمَّ مَاتَ كَانَ ثُلُثُهُ لِلْمُوصَى لَهُ وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لِلْمَالِ قَصْدًا كَانَ قِيَامُ الْمَالِ شَرْطًا

<<  <  ج: ص:  >  >>