للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَا يَرَى أَنَّ الْخِلَافَةَ إذَا ثَبَتَ سَبَبُهَا وَهُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ لِلْوَارِثِ ثَبَتَ بِهِ حَقٌّ يَصِيرُ بِهِ الْمَرِيضُ مَحْجُورًا فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَصَارَ الْمَالُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ فَيُنْظَرُ مَنْ بَعْدُ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لَازِمًا بِأَصْلِهِ مِثْلَ حَقِّ الْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ مُنِعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْلَى لِلُزُومِهِ وَهُوَ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَلِذَلِكَ بَطَلَ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَصَارَ ذَلِكَ كَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا اسْتَحَقَّتْ شَيْئَيْنِ حَقُّ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا وَسُقُوطُ الْقَوْمِ لِمَا بَيَّنَّا وَسُقُوطُ الْقَوْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ التَّقَوُّمَ بِالْإِحْرَازِ يَكُونُ وَقَدْ ذَهَبَ

ــ

[كشف الأسرار]

وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ كَمَا يَثْبُتُ فِي الْمَوَارِيثِ وَيَمْتَنِعُ بِالدَّيْنِ كَمَا يَمْتَنِعُ بِهِ مِلْكُ وَارِثٍ فَثَبَتَ أَنَّ الْإِيصَاءَ إيجَابُ سَبَبِ الْخِلَافَةِ لِلْحَالِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَمَّا كَانَ سَبَبًا لِلْحَالِ يَثْبُتُ لِلْمُوصَى لَهُ حَقٌّ فِي الْحَالِ يَصِيرُ حَقِيقَةً عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ فَيَنْظُرُ مِنْ بَعْدِ أَيْ مِنْ بَعْدِ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِثُبُوتِ سَبَبِ الْخِلَافَةِ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ غَيْرَ لَازِمٍ بِأَصْلِهِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ كَانَ لِلْمُوصِي وِلَايَةُ إبْطَالِهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالرُّجُوعِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ سَبَبَ الْخِلَافَةِ وَإِنْ كَانَ مُنْعَقِدًا لَكِنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ بِهِ وَهُوَ حَقُّ الْمِلْكِ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَمْ يَلْزَمْ سَبَبُهُ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخِلَافَةُ فِي الْمَالِ لَا تَلْزَمُ لِأَنَّهَا خِلَافَةُ تَبَرُّعٍ بِالْمَالِ وَلَوْ وَهَبَ وَنَجَّزَ الْإِيجَابَ لَمْ يَلْزَمْ مَا لَمْ يُسَلِّمْ وَيَقَعُ الْمِلْكُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لَازِمًا بِأَصْلِهِ مِثْلُ حَقِّ الْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ مَنَعَ هَذَا الْحَقُّ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْلَى بِمَا يُبْطِلُهُ لِلُزُومِ هَذَا الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَحَقُّ الْعِتْقِ الثَّابِتِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ السَّبَبِ لَا يَحْتَمِلُهُ أَيْضًا كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَلَلَزِمَ فِي سَبَبِهِ وَهُوَ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ سَائِرَ الشُّرُوطِ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِكَوْنِهِ يَمِينًا فَتَعْلِيقُهُ بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَسَبَبٌ لِلْخِلَافَةِ أَوْلَى بِاللُّزُومِ.

وَإِنَّمَا قَالَ مَعْنَى التَّعْلِيقِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إضَافَةٌ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ صُورَةً وَلَكِنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِاعْتِبَارِ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ عَنْ زَمَانِ الْإِيجَابِ فَلِذَالِك أَيْ لِلُزُومِ حَقِّ الْعِتْقِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ بَطَلَ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا السَّبَبُ يَعْنِي التَّدْبِيرَ تَقْوَى مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ.

وَالثَّانِي أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْخِلَافَةِ فَلِهَذِهِ الْقُوَّةِ لَا يُحْتَمَلُ الْإِبْطَالُ وَالْفَسْخُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ وَيَجِبُ لِلْمُدَبَّرِ بِهِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَيَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَاءِ لِلْمَوْلَى عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ دُخُولَ الدَّارِ وَنَحْوَهُ لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَالتَّدْبِيرَ الْمُقَيَّدَ لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَالتَّعْلِيقَ بِمَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْخِلَافَةِ وَالْوَصِيَّةُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ لِغَيْرِهِ تَمْلِيكٌ يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا فَقَالَ التَّدْبِيرُ عِتْقٌ مُضَافٌ إلَى وَقْتٍ فَيَلْزَمُ كَالْإِضَافَةِ إلَى غَدٍ وَإِنَّمَا أُضِيفَ إلَى الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْخِلَافَةِ فَيُعْتَبَرُ سَبَبًا فِي الْحَالِ لِاسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالنَّسَبِ فَيَصِيرُ حُكْمُهُ مَأْخُوذًا مِنْ أَصْلَيْنِ لَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِآخَرَ أَعْتِقْ عَبْدِي إنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَلْزَمُ وَيَقْتَضِي الْجَوَابَ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ وَبِخِلَافِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ الْمَشِيئَةِ يَمِينٌ بِالْعِتْقِ فَيَلْزَمُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى مَشِيئَتِهِ تَمْلِيكٌ إذْ الْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ يَتْرُكُ فَيَقْتَضِي الْجَوَابَ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا لَوْ قَالَ أَمْرُ عَبْدِي بِيَدِك فَيُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ أَصْلَيْنِ لَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ.

فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ لِلتَّفَصِّي عَنْ عُهْدَةِ مَا يَرِدُ سُؤَالًا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَصَارَ ذَلِكَ أَيْ الْمُدَبَّرُ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ لِاسْتِحْقَاقِ حَقِّ الْعِتْقِ كَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا اسْتَحَقَّتْ بِسَبَبِ الِاسْتِيلَادِ شَيْئَيْنِ حَقُّ الْعِتْقِ لِلْحَالِ لِمَا بَيَّنَّا مِمَّنْ تَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ كَائِنٌ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ وَسُقُوطُ التَّقْوِيمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>