للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْأَمَةَ فِي الْأَصْلِ يُحْرِزُ لِمَالِيَّتِهَا وَالْمُتْعَةُ تَابِعَةٌ فَإِذَا صَارَتْ فِرَاشًا صَارَتْ مُحْصَنَةً مُحْرِزَةً لِلْمُتْعَةِ وَالْمَالِيَّةُ تَابِعَةٌ فَصَارَ الْإِحْرَازُ عَدَمًا فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ فَلِذَلِكَ ذَهَبَ التَّقَوُّمُ وَهُوَ غُرَّةُ الْمَالِيَّةِ وَانْتَسَخَتْ بِغُرَّةِ الْمُتْعَةِ فَتَعَدَّى الْحُكْمُ الْأَوَّلُ إلَى الْمُدَبَّرِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ دُونَ الثَّانِي.

وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّلُ زَوْجَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فِي عِدَّتِهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ فَبَقِيَ مِلْكُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِهِ خَاصَّةً بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَقَدْ بَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ الْمَمْلُوكِيَّةِ

ــ

[كشف الأسرار]

حَتَّى لَا تَضْمَنَ بِالْغَصْبِ وَلَا بِإِعْتَاقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هِيَ مُتَقَوِّمَةٌ لِأَنَّ الثَّابِتَ حَقُّ الْعِتْقِ وَذَلِكَ مُؤَثِّرٌ فِي امْتِنَاعِ الْبَيْعِ دُونَ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرَةِ إلَّا أَنَّ الْمُدَبَّرَةَ تَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَأُمَّ الْوَلَدِ لَا تَسْعَى لَهُمْ لِأَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَحَاجَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ كَحَاجَتِهِ إلَى الْجِهَازِ وَالْكَفَنِ أَمَّا التَّدْبِيرُ فَلَيْسَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ.

وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ التَّقَوُّمَ يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ فَإِنَّ الصَّيْدَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا يَكُونُ مُتَقَوِّمَا وَبَعْدَهُ يَصِيرُ مُتَقَوِّمًا وَقَدْ ذَهَبَ الْإِحْرَازُ هَاهُنَا لِأَنَّ الْأَمَةَ فِي الْأَصْلِ أَيْ الْأَصْلُ فِي الْأَمَةِ أَنَّهَا تُحْرِزُ لِمَالِيَّتِهَا وَالْمُتْعَةُ مِنْهَا تَابِعَةٌ وَلِهَذَا صَحَّ شِرَاءُ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَشِرَاءُ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَشِرَاءُ الْأُخْتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِنَّ الْمُتْعَةُ فَإِذَا صَارَتْ فِرَاشًا بِالِاسْتِيلَادِ صَارَتْ مُحْصَنَةً مُحْرِزَةً لِلْمُتْعَةِ كَالْمَنْكُوحَةِ وَصَارَتْ الْمَالِيَّةُ مِنْهَا تَابِعَةً وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرْعِ صُورَةً يَكُونُ الْإِحْرَازُ لِلْأَمْرَيْنِ مَقْصُودًا فَإِذَا ثَبَتَ الْإِحْرَازُ لِلْفِرَاشِ مَقْصُودًا لَمْ يَبْقَ الْإِحْرَازُ لِلْمَالِيَّةِ مَقْصُودًا فَصَارَ الْإِحْرَازُ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمَالِيَّةِ فَلِذَلِكَ أَيْ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ ذَهَبَ التَّقَوُّمُ وَقَدْ يَنْفَصِلُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ عَنْ مِلْكِ الْمَالِيَّةِ كَمَا فِي الْمَنْكُوحَةِ فَيَجُوزُ أَنْ تَبْقَى الْمُتْعَةُ وَتَذْهَبُ الْمَالِيَّةُ فَتَعَدَّى الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ ثُبُوتُ حَقِّ الْعِتْقِ فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ إلَى الْمُدَبَّرِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ وَهُوَ تَعَلُّقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ سُقُوطُ التَّقَوُّمِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهُ وَهُوَ الْإِحْرَازُ لِلْمُتْعَةِ وَلِهَذَا فَارَقَتْ الْمُدَبَّرَةُ أُمَّ الْوَلَدِ فِي أَنَّهَا لَا تَسْعَى لِلْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ وَتَسْعَى الْمُدَبَّرَةُ لَهُمْ لِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ لَمَّا لَمْ تَبْقَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ فَلَا تَسْعَى لَهُمْ بَلْ تُعْتَقُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَالْمُدَبَّرَةُ لَمَّا أُحْرِزَتْ لِلْمَالِيَّةِ لَا لِلْمُتْعَةِ تَقَوَّمَتْ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّهُمْ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ لَهُمْ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ بِقَدْرِ مَا يَنْقَضِي بِهِ حَاجَةُ الْمَيِّتِ قُلْنَا إنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّلُ زَوْجَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فِي عِدَّتِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي حُكْمِ الْقَائِمِ لِلْحَاجَةِ مَا لَمْ يَنْقَضِ الْعِدَّةُ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ إلَى الْوَرَثَةِ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى الزَّوَالِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَلَوْ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ بِالْمَوْتِ فَقَدْ ارْتَفَعَ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَهِيَ حَقُّ النِّكَاحِ فَتَقُومُ مَقَامَ حَقِيقَتِهِ فِي إبْقَاءِ حِلِّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ كَيْفَ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْ اسْتَقْبَلْنَا مِنْ أَمْرِنَا مَا اسْتَدْبَرْنَا مَا غَسَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا نِسَاؤُهُ تَعْنِي لَوْ عَلِمْنَا أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُغَسَّلَ بَعْدَ الْوَفَاةِ لَمَا غَسَّلَهُ إلَّا نِسَاؤُهُ وَقَدْ أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى امْرَأَتِهِ أَسْمَاءَ أَنْ تُغَسِّلَهُ وَكَذَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا أَنْ يُغَسِّلَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْ مُتِّ غَسَّلْتُك وَكَفَّنْتُك وَصَلَّيْت عَلَيْك» وَقَدْ غَسَّلَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بَعْدَ مَوْتِهَا وَلِأَنَّ الْمِلْكَ جُعِلَ كَالْقَائِمِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْغُسْلِ فَجُعِلَ كَذَلِكَ فِي حَقِّهَا أَيْضًا لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ بِمَوْتِهَا ارْتَفَعَ بِجَمِيعِ عَلَائِقِهِ فَلَا يَبْقَى حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>