للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا وَجَبَ بِالزَّوْجِيَّةِ نَصِيبٌ فِي الدِّيَةِ أَلَا يُرَى أَنَّ لِلزَّوْجِيَّةِ مِزْيَةَ تَصَرُّفٍ فِي الْمِلْكِ فَصَارَ كَالنَّسَبِ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْآخِرَةِ فَأَرْبَعَةٌ مَا يَجِبُ لَهُ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَيَاتِهِ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ ثَوَابٍ وَكَرَامَةٍ أَوْ عِقَابٍ وَمَلَامَةٍ لِأَنَّ الْقَبْرَ لِلْمَيِّتِ كَالرَّحِمِ لِلْمَاءِ وَالْمِهَادِ لِلطِّفْلِ وُضِعَ فِيهِ لِأَحْكَامِ الْآخِرَةِ رَوْضَةُ دَارٍ أَوْ حُفْرَةُ نَارٍ فَكَانَ لَهُ حُكَّامُ الْأَحْيَاءِ وَذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ مَا يَمْضِي عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ الِابْتِلَاءُ فِي الِابْتِدَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[كشف الأسرار]

فِي الْقِصَاصِ.

وَنَحْنُ نَقُولُ النِّكَاحُ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْخِلَافَةِ أَيْ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ كَالْقَرَابَةِ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ الْمِلْكُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَيَصْلُحُ سَبَبًا لِدَرْكِ الثَّأْرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالْمَحَبَّةُ الثَّابِتَةُ بِالزَّوْجِيَّةِ مِثْلُ الْمَحَبَّةِ الثَّابِتَةِ بِالْقَرَابَةِ بَلْ فَوْقَهَا فَثَبَتَ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَصْلُحُ لِاسْتِحْقَاقِ الْقِصَاصِ عَلَى الْأَصْلَيْنِ إلَى الْأَصْلَيْنِ وَإِلَى الْأَصْلَيْنِ أَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ سَبَبًا لِلْخِلَافَةِ وَدَرْكِ الثَّأْرِ وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَصْلُحُ سَبَبًا وَجَبَ بِالزَّوْجِيَّةِ نَصِيبٌ فِي الدِّيَةِ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرِثُ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا لِأَنَّ وُجُوبَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالزَّوْجِيَّةُ تَنْقَطِعُ بِالْمَوَاتِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا مَالُ الْمَيِّتِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ فَيَرِثُ مِنْهَا جَمِيعُ وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَقَوْلُهُ الزَّوْجِيَّةُ تَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ سَبَبَ الْخِلَافَةِ زَوْجِيَّةٌ قَائِمَةٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ مُنْتَهِيَةٌ بِهِ لَا زَوْجِيَّةٌ قَائِمَةٌ فِي الْحَالِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ الْأَمْوَالِ يُسْتَحَقُّ بِهَذِهِ الزَّوْجِيَّةِ فَكَذَا الدِّيَةُ وَقَدْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِضَحَاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ عَقْلِ زَوْجِهَا أَشْيَمَ» وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ثُمَّ اسْتَوْضَحَ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلزَّوْجِيَّةِ مَزِيَّةَ تَصَرُّفٍ فِي الْمِلْكِ أَيْ فِي الْمَالِ فَإِنَّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْبُسُوطَةِ فِي الْأَمْوَالِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهَا بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الْمَحَبَّةِ وَالِاتِّحَادِ.

فَصَارَ أَيْ النِّكَاحُ كَالنَّسَبِ فِي صَلَاحِيَّتِهِ لِاسْتِحْقَاقِ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ قَوْلُهُ (وَأَمَّا أَحْكَامُ الْآخِرَةِ فَأَرْبَعَةٌ) أَيْضًا كَأَحْكَامِ الدُّنْيَا أَحَدُهَا مَا يَجِبُ لَهُ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْمَظَالِمِ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى النَّفْسِ وَالْعِرْضِ وَالثَّانِي مَا يَجِبُ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْمَظَالِمِ وَالثَّالِثُ مَا يَلْقَاهُ مِنْ ثَوَابٍ وَكَرَامَةٍ بِوَاسِطَةِ الْإِيمَانِ وَاكْتِسَابِ الطَّاعَاتِ وَالْخَيْرَاتِ.

وَالرَّابِعُ مَا يَلْقَاهُ مِنْ عِقَابٍ وَمَلَامَةٍ بِوَاسِطَةِ الْمَعَاصِي وَالتَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَاتِ لِأَنَّ الْقَبْرَ أَيْ ثُبُوتُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقَبْرَ لِلْمَيِّتِ كَالرَّحِمِ لِلْمَاءِ وَالْمِهَادِ لِلطِّفْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَيِّتَ وُضِعَ فِيهِ لِلْخُرُوجِ وَلِلْحَيَاةِ بَعْدَ الْفِنَاءِ وَلِأَحْكَامِ الْآخِرَةِ رَوْضَةُ دَارٍ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَرَامَةِ وَالثَّوَابِ أَوْ حُفْرَةُ نَارٍ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ وَالْعِقَابِ فَكَانَ لِلْمَيِّتِ فِيهِ حُكْمُ الْأَحْيَاءِ فَمَا يَرْجِعُ إلَى أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كَمَا أَنَّ لِلْجَنِينِ فِي الرَّحِمِ حُكْمَ الْأَحْيَاءِ فَمَا يَرْجِعُ إلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ بَعْدَمَا يَمْضِي أَيْ يُجْزِئُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ وَهُوَ الْقَبْرُ لِلِابْتِلَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ وَهُوَ سُؤَالُ الْمُنْكَرِ وَالنَّكِيرِ فَإِنَّ سُؤَالَهُمَا مِنْ الِابْتِلَاءِ وَالْفِتْنَةِ وَلِهَذَا سُمِّيَا فَتَّانِي الْقَبْرِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ إذَا سُئِلَ الْمَيِّتُ مَنْ رَبُّك تَرَاءَى لَهُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةٍ فَيُشِيرُ إلَى نَفْسِهِ أَيْ أَنَا رَبُّك فَهَذِهِ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَكْرُمَةً لِلْمُؤْمِنِ إذَا ثَبَّتَهُ وَلَقَّنَّهُ الْجَوَابَ فَلِذَلِكَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ يَدْعُو لَهُ بِالثَّبَاتِ وَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ سَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» تَنْوِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ أَيْ جَرَيَانِ الِابْتِلَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ لِأَجْلِ إعْلَاءِ أَمْرِهِ وَمُبَاهَاتِهِ عَلَى أَقْرَانِهِ فَإِنَّهُ لِمَا سُئِلَ وَأَجَابَ عَلَى مُقْتَضَى الْإِيمَانِ وَأَمَّنَ فِيهِ مِنْ فِتْنَةِ الشَّيْطَانِ بِعَوْنِ اللَّهِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ بَشَّرَ بِالرَّاحَةِ وَالرِّضْوَانِ وَجَعَلَ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجِنَانِ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>