وَإِذَا انْقَلَبَ الْقِصَاصُ مَالًا صَارَ مَوْرُوثًا لِأَنَّ مُوجَبَ الْقَتْلِ فِي الْأَصْلِ الْقِصَاصُ وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يَجِبُ الدِّيَةُ خَلَفًا عَنْ الْقِصَاصِ فَإِذَا جَاءَ الْخَلَفُ جُعِلَ كَأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْأَصْلِ وَذَلِكَ يَصْلُحُ لِحَوَائِجِ الْمَيِّتِ فَجُعِلَ مَوْرُوثًا أَلَا تَرَى أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوَدِ وَيَتَعَلَّقُ بِالدِّيَةِ فَاعْتُبِرَ سِهَامُ الْوَرَثَةِ فِي الْخَلَفِ دُونَ الْأَصْلِ وَفَارَقَ الْخَلَفُ الْأَصْلَ لِاخْتِلَافِ حَالِهِمَا وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلزَّوْجِ وَلِلزَّوْجَةِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْخِلَافَةِ وَدَرْكِ الثَّأْرِ
ــ
[كشف الأسرار]
لِيَسْتَوْفِيَ نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ الْقِصَاصُ وَاجِبًا لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً لَا إرْثًا عَلَى الْمَقْتُولِ لَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ نَائِبًا عَنْ الْبَعْضِ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَوْا عَبْدًا وَجَحَدَ الْبَائِعُ فَأَقَامَ أَحَدُهُمْ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ الَّتِي أَقَامَهَا الْحَاضِرُ لَا تُثْبِتُ الْقِصَاصَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ وَارِثٍ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ ثُبُوتُهُ لِغَيْرِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّ الْمَالَ وَهُوَ مَوْرُوثٌ لِلْوَرَثَةِ عَنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَتِهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَيَنْتَصِبُ كُلُّ وَارِثٍ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فِي إثْبَاتِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَلَبَ الْقِصَاصُ مَالًا) إشَارَةً إلَى الْجَوَابِ عَمَّا قَالُوا إنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بِدَلِيلِ أَنَّ خَلَفَهُ وَهُوَ الْمَالُ مَوْرُوثٌ بِالْإِجْمَاعِ فَقَالَ وَإِذَا انْقَلَبَ الْقِصَاصُ مَالًا بِالصُّلْحِ أَوْ بِعَفْوِ الْبَعْضِ أَوْ بِشُبْهَةٍ صَارَ مَوْرُوثًا حَتَّى يَقْتَضِيَ مِنْهُ دُيُونَ الْمَيِّتِ وَيَنْفُذَ وَصَايَاهُ وَيَجْرِيَ فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْقَتْلِ فِي الْأَصْلِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهِيَ تَعَذُّرُ الِاسْتِيفَاءِ تَجِبُ الدِّيَةُ خَلَفًا عَنْ الْقِصَاصِ كَمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ عِنْدَ فَوْتِ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى وَكَمَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الصَّوْمِ.
فَإِذَا جَاءَ الْخَلَفُ جُعِلَ كَأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْخَلَفَ يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْأَصْلُ وَالسَّبَبُ وَهُوَ الْقَتْلُ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ فَيَسْتَنِدُ وُجُوبُ الْحَلِفِ إلَيْهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ بِهَذَا الْقَتْلِ كَالدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ خَطَأً وَذَلِكَ أَيْ الْخَلَفُ يَصْلُحُ لِحَوَائِج الْمَيِّتِ مِنْ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا فَيُجْعَلُ مَوْرُوثًا كَسَائِرِ التَّرِكَةِ حَتَّى يُقَدِّمَ حُقُوقَ الْمَيِّتِ فِيهِ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ وَكَانَ لَهُ الْأَصْلُ فِي الْقِصَاصِ أَنْ يَجِبَ لِلْمَيِّتِ أَيْضًا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِمُقَابَلَةِ تَفْوِيتِ دَمِهِ وَحَيَاتِهِ لَكِنَّا أَثْبَتَنَا لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً لِمَانِعٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ وَإِنَّ دَرْكَ الثَّأْرِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ حَاصِلٌ لِلْوَرَثَةِ لَا لِلْمَقْتُولِ وَفِي الْخَلَفِ عُدِمَ هَذَا الْمَانِعُ فَجُعِلَ مَوْرُوثَا أَلَا تَرَى تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْأَصْلِ أَوْ تَوْضِيحٌ لِمُفَارَقَةِ الْخَلَفِ الْأَصْلِ فِي الْمَيِّتِ لِاخْتِلَافِ حَالِهِمَا أَيْ حَالَيْهِمَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ لَا يَصْلُحُ لِدَفْعِ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ وَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَالْخَلَفُ يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَيَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَالْخَلَفُ قَدْ يُفَارِقُ الْأَصْلَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْحَالِ كَالتَّيَمُّمِ يُفَارِقُ الْوُضُوءَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِاخْتِلَافِ حَالَيْهِمَا وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنُقُسِهِ وَالتُّرَابُ مُلَوِّثٌ كَذَلِكَ هَاهُنَا قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ ابْتِدَاءً لِلْوَرَثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ دَرْكَ الثَّأْرِ حَاصِلٌ لَهُمْ وَيَجِبُ لِلْمَقْتُولِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عِنْدَهُمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُمَا حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْعَقْدَ وَالْقِصَاصَ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْقِصَاصِ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامُ وَيَخْتَصُّ بِهِ الْأَقَارِبُ الَّذِينَ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوصَى لَهُ حَقٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute