للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُمْكِنُهُ إنْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ وَرُجْحَانِ جِهَةِ وُجُودِهِ لِكَوْنِهِ مَنْدُوبًا شَرْعًا وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَارِثِ الْحَاضِرِ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْقِصَاصِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ كُلِّفَ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَإِذْ وَجَبَ كُلًّا أَطْلَقْنَا الِاسْتِيفَاءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَلَا نَحْتَاجُ إلَى إنْزَالِهِمْ مَنْزِلَةَ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَانْدَفَعَ قَوْلُهُمْ بِأَنَّهُ إثْبَاتُ التَّعَدُّدِ لِأَنَّا لَا نُثْبِتُ التَّعَدُّدَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ بَلْ نُضِيفُ هَذَا الْمُتَّحِدَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ الْمُتَفَرِّدَ بِهِ كَمَا إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا يُقْتَصُّ الْكُلُّ بِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَإِنَّ الْقَتْلَ الْحَاصِلَ فِي الْمَحَلِّ يُضَافُ إلَى فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا صَلُحَ لِلْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَأَمَّا أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ فَإِنَّمَا لَا يَنْفَرِدُ بِالِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَكْمُلْ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ يَثْبُتُ لَهُ بِالْمِلْكِ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِكَامِلٍ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ الْمَوْلَيَيْنِ فِي الْأَمَةِ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا بِانْفِرَادِهِ أَمَّا الْقَرَابَةُ فَسَبَبٌ كَامِلٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ لِلتَّضَايُقِ لَا لِخَلَلٍ فِي السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْتَمَعَةِ فِي التَّرِكَةِ وَلَا تَجْرِي هَاهُنَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُهُ فَأَثْبَتنَا كُلًّا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْقِصَاصِ الْمَوْرُوثِ لِأَنَّ كُلَّ وَارِثٍ اسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ بِالنَّصِّ وَثُبُوتُ الْجُزْءِ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ كَثُبُوتِ الْكُلِّ وَذِكْرُ الْجُزْءِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزُّؤِ كَذِكْرِ الْكُلِّ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْكُلُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّبَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَهُوَ الْقَرَابَةُ كَامِلٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُهُ إذَا كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ) أَيْ لَا يَمْلِكُ الْكَبِيرُ الْحَاضِرُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كَبِيرٌ غَائِبٌ وَإِنْ كَانَ ثَبَتَ لِلْحَاضِرِ جَمِيعُ الْقِصَاصِ لِأَنَّ فِي اسْتِيفَائِهِ شُبْهَةَ الْعَفْوِ مَوْجُودَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ قَدْ عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ وَالْحَاضِرُ لَا يَشْعُرُ بِهِ وَعَفْوُ الْغَائِبِ صَحِيحٌ سَوَاءٌ عَلِمَ بِوُجُودِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَلِهَذِهِ الشُّبْهَةِ يَمْتَنِعُ الِاسْتِيفَاءُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ عِنْدَ صِغَرِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَفْوِ وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ عَفْوُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَشُبْهَةُ عَفْوٍ يُتَوَهَّمُ اعْتِرَاضُهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ السَّارِقَ يَقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمُودِعِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ إنْ احْتَمَلَ أَنَّ الْمَالِكَ قَدْ وَهَبَهُ مِنْ السَّارِقِ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ وَكَذَا يَقْطَعُ بِغَيْبَةِ الشُّهُودِ مَعَ تَوَهُّمِ الرُّجُوعِ.

فَأَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ وَرُجْحَانِ جِهَةِ وُجُودِهِ لِكَوْنِهِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ شَرْعًا يَعْنِي إنَّمَا اعْتَبَرْنَا هَذَا الْمَوْهُومَ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ وَالْإِنْسَانُ يَرْغَبُ فِيمَا يَنْدُبُهُ الشَّرْعُ إلَيْهِ فَاعْتُبِرَ هَذَا الِاحْتِمَالُ لِرُجْحَانِ جِهَةِ وُجُودِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فَأَمَّا الشَّاهِدُ فَغَيْرُ مَنْدُوبٍ إلَى الرُّجُوعِ وَالْمَالِكُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْإِقْرَارِ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ الْوَهْمِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَوْهُومِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُوجِبُ تَأْخِيرَ الِاسْتِيفَاءِ إلَى حُضُورِ الْغَائِبِ لَا إسْقَاطِ الْقَوَدِ أَصْلًا وَهُنَاكَ اعْتِبَارٌ يُوجِبُ إسْقَاطَ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ فَلَا يَدُلُّ اعْتِبَارُ الْمُوهِمِ هَاهُنَا عَلَى اعْتِبَارِهِ هُنَاكَ قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَمَ أَبِيهِ عَلَى رَجُلٍ وَأَخُوهُ غَائِبٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالدَّمِ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ كُلِّفَ أَنْ يُعِيدَ الْبَيِّنَةَ وَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِالْقِصَاصِ قَبْلَ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يُنْتَصَبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا يَثْبُتُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةُ مَتَى أَقَامَهَا خَصْمٌ لَمْ يَجِبْ إعَادَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَتْلَ لَوْ كَانَ خَطَأً لَمْ يَكُنْ عَلَى الْغَائِبِ إذَا حَضَرَ أَنْ يُعِيدَ الْبَيِّنَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>