للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَلَكَ الْكَبِيرُ اسْتِيفَاءَهُ إذَا كَانَ سَائِرُهُمْ صِغَارًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

ــ

[كشف الأسرار]

لِلْبَاقِينَ بَعْدَ عَفْوِ أَحَدِهِمْ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَدُّدُ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ فِي الْمَحَلِّ بِالْإِجْمَاعِ وَقَبْلَ الْعَفْوِ لَوْ قُلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكُونُ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَا يَكُونُ مِمَّنْ ضَرُورَتُهُ تَعَدُّدُ الْقِصَاصِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ثُمَّ الْقِصَاصُ وَإِنْ بَطَلَ فِي الصُّورَتَيْنِ لَكِنَّ الْمَالَ يَجِبُ فِي صُورَةِ الْعَفْوِ لِلْبَاقِينَ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي صُورَةِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْبَاقِينَ وَلَا لِلْقَاتِلِ الَّذِي وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَعَذُّرَ الْقِصَاصِ إنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّ الْقَتْلَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ فَيُوجِبُ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ جِهَتِهِ فَالتَّعَذُّرُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَفْوِ مِنْ جَانِبِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذْ الِامْتِنَاعُ لِمُرْعَاةِ الْحُرْمَةِ لِبَعْضِ نَفْسِهِ فَإِنَّ بَعْضَ نَفْسِهِ قَدْ حُبِيَ بِالْعَفْوِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ فَيَجِبُ الْمَالُ لِغَيْرِ الْعَافِي وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّهِ كَانَ بِإِسْقَاطِهِ.

وَالتَّعَذُّرُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ جَانِبِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ فَوَاتِ الْمَحَلِّ بِالْقَتْلِ كَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بَعْدَ فَوَاتِهِ بِالْمَوْتِ فَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ قَوْلُهُ (وَمَلَكَ الْكَبِيرُ اسْتِيفَاءَهُ إذَا كَانَ سَائِرُهُمْ صِغَارًا) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ بَلْ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَكْبَرُوا لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمْ بِاسْتِيفَائِهِ كَالدِّيَةِ وَكَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا قُتِلَ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالِاسْتِيفَاءِ وَكَالْوَرَثَةِ إذَا كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِصَاصٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا لِلْمَقْتُولِ بِمَنْزِلَةِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ تَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ إرْثًا عَنْهُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَلِهَذَا تَثْبُتُ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ عِنْدَ انْقِلَابِ الْقِصَاصِ مَالًا يَعْفُو أَحَدُهُمْ فَإِنَّ نَصِيبَ الْبَاقِينَ يَنْقَلِبُ مَالًا عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ فَكَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءًا مِنْهُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ بِسِهَامٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهَا وَبِمِلْكِ بَعْضِ الْقِصَاصِ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْكُلِّ.

وَلَا يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ لِاسْتِحَالَةِ قَتْلِ بَعْضِ الشَّخْصِ دُونَ بَعْضِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْوَرَثَةِ مُتَبَعِّضًا لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ وُقُوعًا فِي الْمَحَلِّ فَأَمَّا فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَجَزَّأَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُسْتَحِقِّ الْحَقُّ فِي الْبَعْضِ شَرْعًا وَلِهَذَا لَوْ عَفَا وَاحِدٌ لَمْ يَسْقُطْ كُلُّ الْحَقِّ حَتَّى انْقَلَبَ مَالًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَجَزَّأْ وُقُوعًا فِي الْمَحَلِّ كَانَ طَرِيقُ اسْتِيفَائِهِ أَنْ يَجْتَمِعُوا فَيَسْتَوْفُوا وَيَتَنَزَّلُوا بِإِجْمَاعِهِمْ مَنْزِلَةَ الْمَيِّتِ كَمَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ مَوْرُوثًا بِأَنْ قُتِلَ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ عَنْ ابْنَيْنِ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَهُمَا وَاسْتَوْفَيَا دُفْعَةً وَاحِدَةً فَأَمَّا إطْلَاقُ الِاسْتِيفَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَيُسْتَدْعَى إثْبَاتُ الْحَقِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْكَمَالِ وَأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ تَعْدِيدُ الْمُتَّحِدِ وَفِيهِ إثْبَاتٌ عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيه السَّبَبِ وَهُوَ الْإِرْثُ فَإِنَّ الْمُزَاحَمَةَ مَتَى ثَبَتَتْ مَنَعَ الْإِثْبَاتُ لَهُ كُلًّا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ لِلِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ وَالْوُجُوبُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الِاسْتِيفَاءِ لَا يَتَجَزَّأُ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَتَجَزَّأُ وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ وَسَبَبُ ثُبُوتِ الْكُلِّ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلًّا كَمَا بَيَّنَّا

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>