عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَحْضُ مَا يُؤَدِّيهِ الْإِنْسَانُ بِوَصْفِهِ عَلَى مَا شُرِعَ مِثْلُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ فَأَمَّا فِعْلُ الْفَرْدِ فَأَدَاءٌ فِيهِ قُصُورٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَهْرَ عَنْ الْمُنْفَرِدِ سَاقِطٌ وَالشَّارِعُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْجَمَاعَةِ مُؤَدٍّ أَدَاءً مَحْضًا وَالْمَسْبُوقُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ مُؤَدٍّ أَيْضًا لَكِنَّهُ مُنْفَرِدٌ فَكَانَ قَاصِرًا وَمَنْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَهَذَا مُؤَدٍّ أَدَاءً يُشْبِهُ الْقَضَاءَ
ــ
[كشف الأسرار]
هَذَا الْأَمْرِ افْعَلْ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ؛ فَإِنْ أَخَّرْت فَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى آخِرِ الْعُمْرِ فَيَكُونُ أَدَاءً لَا قَضَاءً، فَأَمَّا عِنْدَ الْبَاقِينَ مِنْهُمْ إذَا فَاتَ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا مَنْ شَرَطَ مِنْهُمْ الْأَمْرَ الْجَدِيدَ فِي الْقَضَاءِ شَرَطَهُ هَهُنَا كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ، عَلَى مَا تَبَيَّنَ مِنْ بَعْدُ يَعْنِي قُبَيْلَ بَابِ النَّهْيِ، وَالْمَحْضُ مِنْهُ أَيْ الْخَالِصُ الْكَامِلُ مِنْ الْأَدَاءِ، هُوَ الَّذِي يُؤَدِّيهِ الْإِنْسَانُ مُلْتَبِسًا بِوَصْفِهِ كَمَا شُرِعَ مِثْلُ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ تَوَفَّرَ عَلَيْهَا حَقُّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ وَالْآدَابِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَدَاءَ يُنْبِئُ عَنْ الِاسْتِقْصَاءِ وَشِدَّةِ الرِّعَايَةِ وَفِيهَا ذَلِكَ، وَهَذَا فِي الصَّلَاةِ الَّتِي سُنَّتْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا مِثْلُ الْمَكْتُوبَاتِ وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ وَالتَّرَاوِيحُ فَأَمَّا فِيمَا لَمْ تُسَنَّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ مِثْلُ عَامَّةِ النَّوَافِلِ وَالْوِتْرِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَالْجَمَاعَةُ فِيهَا صِفَةُ قُصُورٍ عِنْدَنَا كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ، فَأَدَاءٌ فِيهِ قُصُورٌ لِعَدَمِ وَصْفِهِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ شَرْعًا، وَهُوَ الْجَمَاعَةُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ، الْجَهْرُ سَاقِطٌ أَيْ وُجُوبُهُ وَالْجَهْرُ صِفَةُ كَمَالٍ فِي الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ السَّجْدَةِ بِتَرْكِهِ.
، وَلَمَّا كَانَ الْأَدَاءُ مُنْقَسِمًا أَقْسَامًا ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّهُ إمَّا إنْ أُدِّيَتْ الصَّلَاةُ كُلُّهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَذَلِكَ الْبَعْضُ إمَّا إنْ كَانَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرَهُ أَعَادَ قَوْلَهُ وَالشَّارِعُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْجَمَاعَةِ أَيْ الَّذِي شُرِعَ مَعَهُ وَأَتَمَّهَا مَعَهُ مُؤَدٍّ أَدَاءً مَحْضًا أَيْ كَامِلًا لِيُبَيِّنَ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَالْمَسْبُوقُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ) أَيْ الَّذِي فَاتَهُ أَوَّلُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ بِأَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى أَوْ أَكْثَرُ مُؤَدٍّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهَا فِي الْوَقْتِ، لَكِنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي أَدَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيمَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ أَدَائِهِ، فَكَانَ أَيْ الْمَسْبُوقُ فِيهِ مُؤَدِّيًا أَدَاءً قَاصِرًا أَوْ فِعْلُهُ أَدَاءً قَاصِرًا وَلَكِنْ فِعْلُهُ فِي الْقُصُورِ دُونَ فِعْلِ الْمُنْفَرِدِ مِنْ وَجْهَيْنِ:، أَحَدُهُمَا: أَنَّ صِفَةَ الْجَمَاعَةِ مَوْجُودَةٌ هَهُنَا فِي الْبَعْضِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِيمَا سَبَقَ بِهِ حَتَّى لَزِمَهُ الْقِرَاءَةُ وَسُجُودُ السَّهْوِ لَوْ سَهَا فِيهِ لَكِنَّهُ مُقْتَدٍ فِيهِ بِاعْتِبَارِ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ، وَهِيَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْغَيْرِ بِهِ فَكَانَ الَّذِي صَلَّى بِغَيْرِ إمَامٍ مُنْفَرِدًا فِي الْكُلِّ أَدَاءً وَتَحْرِيمَةً وَالْمَسْبُوقُ مُنْفَرِدًا فِي الْبَعْضِ أَدَاءً لَا تَحْرِيمَةً فَكَانَ قُصُورُهُ دُونَ الْأَوَّلِ بِدَرَجَتَيْنِ قَوْلُهُ (وَمَنْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ) ثُمَّ انْتَبَهَ بَعْدَ فَرَاغِهِ.
(أَوْ أَحْدَثَ) أَيْ صَارَ مُحْدِثًا، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِاللَّاحِقِ أَيْ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَفَاتَهُ الْبَاقِي، مُؤَدٍّ أَيْ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْوَقْتِ أَدَاءً، يُشْبِهُ الْقَضَاءَ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ بِفَرَاغِهِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْجِهَةُ مُخْتَلِفَةً صَحَّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ مَعَ كَوْنِهِمَا مُتَنَافِيَيْنِ.
وَإِنَّمَا جَعَلْنَا فِعْلَهُ أَدَاءً يُشْبِهُ الْقَضَاءَ لَا عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْفِعْلِ مُؤَدٍّ وَبِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ قَاضٍ وَالْوَصْفُ تَبَعٌ، ثُمَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقَضَاءَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَدَاءِ فَكَانَ هُوَ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي دُونَ الْمُنْفَرِدِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ وَسُجُودُ السَّهْوِ لَوْ سَهَا كَالْمُقْتَدِي، وَكَانَ فِعْلُهُ فِي الْقُصُورِ دُونَ فِعْلِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ وَقَاضٍ صِفَةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ فَكَانَ أَدَاؤُهُ كَامِلًا بَعْضُهُ حَقِيقَةً وَبَعْضُهُ حُكْمًا، يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا مَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَيْمَانِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَسُبِقَ فِيهَا بِرَكْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى مَعَهُ رَكْعَةً فَأَمَّا الْأُخْرَى فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ مُنْفَرِدٌ لَا إمَامَ لَهُ، وَلَوْ افْتَتَحَ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute