أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا فِي مُسَافِرٍ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَوْ نَامَ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَدَخَلَ مِصْرَهُ لِلْوُضُوءِ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ، وَهُوَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ تَكَلَّمَ صَلَّى أَرْبَعًا وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ بَعْدُ لَمْ يَفْرُغْ أَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَسْبُوقًا صَلَّى أَرْبَعًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
ــ
[كشف الأسرار]
الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى حَنِثَ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ الَّذِي يَقْضِي مِثْلَ مَا انْعَقَدَ لَهُ إحْرَامُ الْإِمَامِ مُقْتَدٍ بِهِ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي جَامِعِهِ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْمَسْبُوقَ قَاضِيًا بِقَوْلِهِ وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ جَعْلُهُ مُؤَدِّيًا (قُلْنَا) قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَ إحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ مَكَانَ الْأُخْرَى مَجَازًا جَائِزٌ؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمَسْبُوقُ قَاضِيًا مَجَازًا لِمَا فَعَلَهُ مِنْ إسْقَاطِ الْوَاجِبِ أَوْ بِاعْتِبَارِ حَالِ الْإِمَامِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي قَوْلِهِ «وَمَا فَاتَكُمْ» وَنَحْنُ إنَّمَا جَعَلْنَاهُ مُؤَدِّيًا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّحِيحِ «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» ، أَشَارَ إلَى أَكْثَرِ هَذِهِ اللَّطَائِفِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قَوْلُهُ (أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ) أَيْ الْمَشَايِخُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى شِبْهِ الْقَضَاءِ، فِي الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ لَا يَتَغَيَّرُ بِمُغَيِّرٍ بِحَالٍ بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَيْ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ ضَرُورَةً، فَدَخَلَ فِي مِصْرِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَيْ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِلَا خِلَافٍ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقَضَاءِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ أَيْ هَذَا الْمُسَافِرُ اللَّاحِقُ بَعْدَ وُجُودِ الْمُغَيِّرِ صَلَّى أَرْبَعًا لِزَوَالِ شِبْهِ الْقَضَاءِ بِالْخُرُوجِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَبَقَاءِ الْوَقْتِ فَيَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ، وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسَافِرٌ أَحْدَثَ فَانْفَتَلَ لِيَأْتِيَ مِصْرَهُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ أَمَامَهُ مَاءٌ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا، فَإِنْ تَكَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَزَمَ عَلَى الِانْصِرَافِ إلَى أَهْلِهِ فَقَدْ صَارَ مُقِيمًا وَبَعْدَمَا صَارَ مُقِيمًا فِي صَلَاةٍ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا فِيهَا؛ لِأَنَّ السَّفَرَ عَمَلٌ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ تَمْنَعُهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ السَّفَرِ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ لَا تَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِذَا تَكَلَّمَ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ أَمَامَهُ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ فَصَارَ مُسَافِرًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ وُجُودِ الْمُغَيِّرِ وَلَوْ تَكَلَّمَ أَيْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَسْبُوقُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ وُجُودِ الْمُغَيِّرِ سَوَاءٌ فَرَغَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَفْرُغْ تَكَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ.
وَكَذَا اللَّاحِقُ إذَا تَكَلَّمَ أَوْ لَمْ يَفْرُغْ إمَامُهُ، فَأَمَّا إذَا فَرَغَ إمَامُهُ ثُمَّ وَجَدَ الْمُغَيِّرَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُصَلِّي أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ اللَّاحِقُ بِالْمَسْبُوقِ نَظَرًا إلَى انْفِرَادِهِ حَقِيقَةً أَوْ بِالْمُقْتَدِي نَظَرًا إلَى الِاقْتِدَاءِ حُكْمًا وَالْحُكْمُ فِي صَلَاتِهِمَا أَنَّهَا تَتَغَيَّرُ بِالْمُغَيِّرِ، فَكَذَا لِلَّاحِقِ، وَأَنَّا نَقُولُ اللَّاحِقُ مَعَ كَوْنِهِ مُقْتَدِيًا لَيْسَ بِمُؤَدٍّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُجْعَلَ مُؤَدِّيًا خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَا إمَامَ لَهُ بَلْ هُوَ قَاضٍ شَيْئًا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ فِي حَقِّهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ لَكِنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ الْأَدَاءَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ إذَا فَاتَهُ الْأَدَاءُ بِعُذْرٍ وَجُعِلَ أَدَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا بِمِثْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَصَارَ اللَّاحِقُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي الْحَقِيقِيِّ بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي فِعْلِهِ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُغَيِّرَ لَمْ يَتَّصِلْ بِالْأَصْلِ لِانْقِضَائِهِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ مَا بَنَى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ مُنْفَرِدٌ مُؤَدٍّ شَيْئًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا الَّذِي خَلْفَ الْإِمَامِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ فِي الْحَالِ فَيَجُوزُ أَنْ تَعْمَلَ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute