للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا قِيَاسُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّ جِيرَانَهُ أَنَّهُ يُمْنَعُ عَنْهُ فَصَارَ الْحَجْرُ عِنْدَهُمَا مَشْرُوعًا بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا فِيهِ نَظَرٌ لَهُ أَبَدًا فَلَا يُلْحَقُ بِالصَّبَى خَاصَّةً وَلَا بِالْمَرِيضِ وَلَا بِالْمُكْرَهِ لَكِنْ يَجِبُ إثْبَاتُ النَّظَرِ بِأَيِّ أَصْلٍ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَبْسُوطِ

ــ

[كشف الأسرار]

عَلَى الْمَنْعِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ إبْطَالُ نِعْمَةٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهِ وَهِيَ الْيَدُ وَإِلْحَاقُهُ بِالْفُقَرَاءِ وَإِثْبَاتُ الْحَجْرِ إبْطَالُ وِلَايَتِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ وَإِلْحَاقِهِ بِالْبَهَائِمِ وَهِيَ نِعْمَةٌ أَصْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمْتَازُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ بِالْبَيَانِ فَبَانَ جَوَازُ إلْحَاقِ ضَرَرٍ يَسِيرٍ بِهِ فِي مَنْعِ نِعْمَةٍ زَائِدَةٍ وَإِلْحَاقِهِ بِالْفُقَرَاءِ لِتَوْفِيرِ النَّظَرِ عَلَيْهِ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَى جَوَازِ إلْحَاقِ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ بِهِ بِتَفْوِيتِ النِّعْمَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِلْحَاقِهِ بِالْبَهَائِمِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ.

وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السَّفِيهِ عَلَى مَا قِيلَ هُوَ الصَّبِيُّ الَّذِي عَقَلَ فَإِنَّ بَعْضَ تَصَرُّفَاتِهِ يَخْرُجُ عَنْ نَهْجِ الِاسْتِقَامَةِ وَمِنْ الضَّعِيفِ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ وَمِنْ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ الْمَجْنُونُ وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ السَّفِيهِ هُوَ الْمُبَذِّرُ الَّذِي اخْتَلَفْنَا فِيهِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْوَلِيِّ هُوَ وَلِيُّ الْحَقِّ لَا وَلِيُّ السَّفِيهِ وَفِي الْآيَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ وَعَنْ الْحَدِيثِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَطْلُبْ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِدَلِيلِ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرَكَ الْحَجْرَ بِسَبَبِ إشْرَاكِ الزُّبَيْرِ وَمَنْ يَرَى الْحُجَّةَ لَا يُتْرَكُ بِمِثْلِ هَذَا الْعُذْرِ فَإِنَّ الْغَبْنَ الْوَاقِعَ فِي الْعَقْدِ لَا يَرْتَفِعُ بِإِشْرَاكِ الْغَيْرِ وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَآهُ إسْرَافًا حِينَ أَنْفَقَ مَالًا عَظِيمًا فِي شِرَاءِ دَارٍ وَهِيَ حَظُّ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَنْفَقَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي كُلِّ حُظُوظِ الدُّنْيَا رُبَّمَا يُقَصِّرُ فِي حُظُوظِ الْآخِرَةِ فَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْوِيفِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ لَا فَائِدَةَ فِي مَنْعِ الْمَالِ مَعَ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ أَنَّ السَّفِيهَ إنَّمَا يُتْلِفُ مَالَهُ عَادَةً فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا يَتِمُّ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ مِنْ اتِّخَاذِ الضِّيَافَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِذَا كَانَتْ يَدُهُ مَقْصُورَةً عَنْ الْمَالِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْفِيذِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِمَنْعِ الْمَالِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَجَابَ الشَّيْخُ لَهُمَا عَمَّا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَيْلًا مِنْهُ إلَى قَوْلِهِمَا بِقَوْلِهِ وَقَالَا هَذِهِ الْأُمُورُ يَعْنِي الْيَدَ وَاللِّسَانَ وَالْأَهْلِيَّةَ صَارَتْ حَقًّا لِلْعَبْدِ رِفْقًا بِهِ يَعْنِي ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ لِلْعَبْدِ لِأَجْلِ أَنْ يَرْتَفِقَ بِهَا الْعَبْدُ فَإِذَا أَدَّى ثُبُوتُ هَذِهِ الْأُمُورِ إلَى الضَّرَرِ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ الرَّدُّ أَيْ رَدُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ كَيْ لَا يَصِيرَ ثُبُوتُهَا عَائِدًا عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ الْوَاوِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ.

وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ حَقٌّ فِي عَيْنِ الْمَالِ أَيْ مَالِ السَّفِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا أُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِمَا فَإِنَّهُمَا لَمَّا قَالَا النَّظَرُ وَاجِبٌ بِالْحَجْرِ حَقًّا لِلْمُسْلِمِينَ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ فَلَا يَجِبُ الْحَجْرُ فَرَدَّا ذَلِكَ الْجَوَابَ وَقَالَا إنَّهُ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَلَا حَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِهِ يُؤَدِّي تَصَرُّفُهُ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمَالِ فَيَجِبُ دَفْعُهُ عَنْهُمْ بِالْحَجْرِ فِي الْحَالِ وَهَذَا أَيْ وُجُوبُ الرَّدِّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ قِيَاسُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّ جِيرَانَهُ يُمْنَعُ حَتَّى لَوْ اتَّخَذَ طَاحُونَةً لِلْأُجْرَةِ يُمْنَعُ وَلَوْ نَصَبَ مِنْوَالًا لِاسْتِخْرَاجِ الْإِبْرَيْسَمِ مِنْ الْفَيْلَقِ فَلِلْجِيرَانِ الْمَنْعُ إذَا تَضَرَّرُوا بِالدُّخَانِ وَرَائِحَةِ الدِّيدَانِ وَلِلْجِيرَانِ مَنْعُ دَقَّاقِ الذَّهَبِ لِتَضَرُّرِهِمْ بِدَقِّهِ وَكَذَا النَّدَّافُ إذَا كَانَ ضَرَرُهُ بَيِّنًا يُمْنَعُ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُنْيَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَثَبَتَ أَنَّ شَرْعِيَّةَ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ عَنْهُ هُمَا بِطَرِيقِ النَّظَرِ.

١ -

قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا فِيهِ نَظَرٌ لَهُ أَبَدًا) يَعْنِي لَا يُجْعَلُ السَّفِيهُ عِنْدَهُمَا كَالْهَازِلِ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ وَلَا كَالصَّبِيِّ وَلَا كَالْمَرِيضِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ تَوْفِيرُ النَّظَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ فَبِحَسْبِهِ يَلْحَقُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأُصُولِ.

فَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا نَفَذَ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ السَّفَهَ كَالْهَزْلِ وَلَكِنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ بِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ لِغُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ وَهُنَاكَ وَجَبَتْ السِّعَايَةُ لِلْغُرَمَاءِ فِي كُلِّ الْقِيمَةِ وَلِلْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ رَدَّا لِلْعِتْقِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>