وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ مَا لَا يُعْقَلُ مِثْلُهُ يَسْقُطُ كَمَنْ نَقَصَ صَلَوَاتُهُ فِي أَرْكَانِهَا بِتَغْيِيرٍ
ــ
[كشف الأسرار]
أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِ نَفْسِهِ عَلَيْهَا وَضَبْطِهَا وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ.
أَفَيُجْزِئُنِي بِالْهَمْزِ أَيْ يَكْفِينِي عَمَّا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ.
أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْحَاءِ أَيْ أُحْرِمُ عَنْهُ بِنَفْسِي وَأُؤَدِّي الْأَفْعَالَ عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْإِنْفَاقَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَفْعَالِ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ أَبَاهَا كَانَ أَمَرَهَا بِذَلِكَ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنْ أُحِجَّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ آمُرُ أَحَدًا أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ التَّمَسُّكُ بِهِ، أَرَأَيْت أَيْ أَخْبِرِينِي وَكَانَ هَذَا اللَّفْظُ لِلنَّظَرِ ثُمَّ صَارَ لِلْإِخْبَارِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا لَمْ يَجِدُوا الضَّالَّةَ يَقُولُونَ لِكُلِّ مَنْ يَرَوْنَهُ أَرَأَيْت ضَالَّةَ كَذَا أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْهَا، أَمَا كَانَ يُقْبَلُ مِنْك وَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَكَانَ يُقْبَلُ بِدُونِ كَلِمَةِ مَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ نَعَمْ لَا يَسْتَقِيمُ جَوَابًا لِلْمَذْكُورِ هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ لِتَصْدِيقِ مَا سَبَقَ مِنْ الْكَلَامِ نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْمَذْكُورِ هَهُنَا نَعَمْ لَا يُقْبَلُ فَيُفْسِدُ الْمَعْنَى بَلْ جَوَابُهُ بَلَى؛ لِأَنَّهُ لِتَحْقِيقِ مَا بَعْدَ النَّفْيِ لَكِنَّهُ يَسْتَقِيمُ جَوَابًا لِلْمَذْكُورِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَرَأَيْت فِي الْأَسْرَارِ فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ «أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَمَا كَانَ يَجُوزُ قَالَتْ بَلَى قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَحَقُّ أَيْ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ فَأَوْلَى بِكَرَمِهِ وَأَجْدَرُ بِرَأْفَتِهِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ حَالَةَ الْعَجْزِ فِعْلَ الْغَيْرِ أَوْ الْإِنْفَاقَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَقْبَلَ.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَدَيْنُ اللَّهِ أَوْلَى بِالْقَضَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْمَصَابِيحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَقَضَيْتِيهِ بِالْيَاءِ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِشْبَاعِ لِكَسْرَةِ التَّاءِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي لُغَةِ حِمْيَرَ.
قَالَ شَاعِرُهُمْ:
يَا أُمَّ عَمْرٍو لِمَ وَلَدْتِيهِ ... مُعَمَّمًا بِالْكِبْرِ وَالتِّيهِ
لَيْتَكِ إذْ جِئْت بِهِ هَكَذَا ... كَمَا بَذَرْتِيهِ أَكَلْتِيهِ
كَذَا فِي الْجَوَامِعِ الْجَمَادِيَّةِ.
قِيلَ وَفِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَبَاهَا كَانَ أَمَرَهَا بِالْحَجِّ حَيْثُ قَاسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبُولَ الْحَجِّ بِالْأَدَاءِ مِنْ الْغَيْرِ بِقَبُولِ الدَّيْنِ بِالْأَدَاءِ مِنْ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا يَجِبُ وَيَتَحَقَّقُ قَبُولُ الدَّيْنِ بِالْأَدَاءِ مِنْ الْغَيْرِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَدَاءُ بِأَمْرِ الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إنْ امْتَنَعَ فِيهِ عَنْ الْقَبُولِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْهُ فَرَبُّ الدَّيْنِ بِالْخِيَارِ فِي الْقَبُولِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَبُولُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْأَمْرِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَاسَ عَلَى الْعَادَةِ الْفَاشِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ دُيُونَهُمْ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ تَصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَدْيُونِ أَوْ غَيْرِهِ تَبَرُّعًا أَوْ غَيْرَ تَبَرُّعٍ نَظَرًا مِنْهُمْ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِوَجْهٍ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) مُتَّصِلٌ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ الِاسْتِدْرَاكُ فِي قَوْلِهِ وَلَكِنَّا جَوَّزْنَاهُ بِالنَّصِّ أَيْ وَلِعَدَمِ تَصَرُّفِ الرَّأْيِ فِيمَا لَا نُدْرِكُهُ قُلْنَا إنَّ مَا لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ مِثْلُهُ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْمِثْلِ مُتَوَقِّفٌ إمَّا عَلَى إدْرَاكِ الْعَقْلِ لِيُمْكِنَ إيجَابُهُ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى السَّمْعِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا وَجْهَ إلَّا الْإِسْقَاطُ كَتَرْكِ الِاعْتِدَالِ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا يَضْمَنُ بِشَيْءٍ سِوَى الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ الْوَصْفِ مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَصْلِ مِثْلٌ عَقْلًا وَلَا نَصًّا.
وَقَوْلُهُ يَتَغَيَّرُ احْتِرَازٌ عَنْ نُقْصَانِ الرُّكْنِ نَفْسِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ نَقَصَ الصَّلَاةَ فِي أَرْكَانِهَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ