للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ حُرًّا أَوْ اسْتَعَانَ بِهِ وَذَلِكَ مَوْضِعُ إشْكَالٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَإِنَّ ضَمَانَ مَا يَعْطَبُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا لِمَا قُلْنَا مِنْ صِحَّةِ الْأَمْرِ وَإِذَا كَانَ فِي جَادَّةِ الطَّرِيقِ لَا يُشْكِلُ حَالُهُ بَطَلَ الْأَمْرُ وَاقْتَصَرَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى انْتَقَلَ إلَى الْمَوْلَى نَفْسُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ حُكْمِهِ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ شُبْهَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ حُرًّا بِأَمْرِ حُرٍّ آخَرَ فِي أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَالْإِكْرَاهُ صَحِيحٌ بِكُلِّ حَالٍ فَوَجَبَ أَنْ يُنْسَبَ الْفِعْلُ إلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ فَلَا يُوجِبُ النَّقْلَ؛ لِأَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَالْمَشِيئَةَ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ آلَةً لَهُ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُجْعَلَ الْفَاعِلُ فِيهِ آلَةً لِغَيْرِهِ فَذَلِكَ مِثْلُ الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ وَالزِّنَا؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ بِفَمِ غَيْرِهِ لَا يُتَصَوَّرُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ نَفْسُ الْفِعْلِ مِمَّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ فِيهِ آلَةً لِغَيْرِهِ صُورَةً إلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ الَّذِي يُلَاقِيهِ الْإِتْلَافُ صُورَةً وَكَانَ ذَلِكَ يَتَبَدَّلُ بِأَنْ يُجْعَلَ آلَةً بَطَلَ ذَلِكَ وَاقْتَصَرَ الْفِعْلُ عَلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي إذَا تَبَدَّلَ كَانَ فِي تَبْدِيلِهِ بُطْلَانُ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ (رَابِعٌ) لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَبْدِيلِ الْمَحَالِّ وَفِي تَبْدِيلِ الْمَحَلِّ خِلَافٌ لِلْإِكْرَاهِ وَفِي خِلَافِهِ بُطْلَانُ الْإِكْرَاهِ وَإِذَا بَطَلَ اقْتَصَرَ الْفِعْلُ عَلَى الْفَاعِلِ وَعَادَ الْأَمْرُ إلَى الْمَحَلِّ الْأُولَى وَبَطَلَ التَّبْدِيلُ

ــ

[كشف الأسرار]

بَاشَرَ إحْدَاثَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَصَاحِبُ الدَّارِ مَمْنُوعٌ عَنْ إحْدَاثِهِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ فِيمَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجِيرَ يَعْمَلُ لِلْآجِرِ وَلِهَذَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَقَدْ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ حِينَ لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ أَوْ تَصَرُّفِهِ وَإِنَّمَا حَفَرَ اعْتِمَادًا عَلَى أَمْرِهِ وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِنَائِهِ فَلِدَفْعٍ ضَرَرِ الْغُرُورِ يُنْقَلُ فِعْلُهُمْ إلَى الْآمِرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ حَفَرَ بِنَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ الْحَفْرُ فِي جَادَّةِ الطَّرِيقِ لَا يُشْكِلُ حِلُّهُ أَيْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي فِنَائِهِ بَطَلَ الْأَمْرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْحَفْرِ بِنَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ لِإِثْبَاتِ صِفَةِ الْحِلِّ بِهِ أَوْ لِدَفْعِ الْغُرُورِ عَنْ الْحَافِرِ وَقَدْ عُدِمَا جَمِيعًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ أَمْرِهِ فَاقْتَصَرَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمُبَاشِرِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَالْحُرِّ الْمُسْتَأْجِرِ مَنْ قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِأَمْرِ مَوْلَاهُ انْتَقَلَ إلَى الْمَوْلَى نَفْسُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ حُكْمِهِ كَأَنَّ الْمَوْلَى بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ فِي حَقِّ الْإِثْمِ حَتَّى لَمْ يَجِبْ ضَمَانٌ وَلَا قَوَدٌ؛ لِأَنَّهُ أَيْ قَتْلَ الْعَبْدِ بِأَمْرِ مَوْلَاهُ مَوْضِعُ شُبْهَةٍ أَيْ اشْتِبَاهٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ وَالْحَيَاةِ فَلَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِقَتْلِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنَّ مَالِيَّتَهُ لِلْمَوْلَى فَيَصِحُّ أَمْرُهُ بِإِتْلَافِهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَمَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِقَتْلِ شَاةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ فَيَصِيرُ هَذَا الْوَجْهُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ وَالضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ حُرًّا بِأَمْرِ حُرٍّ آخَرَ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَصِحَّ بِوَجْهٍ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ وَالضَّمَانِ.

وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْآمِرُ ذَا سَلْطَنَةٍ فَإِنْ كَانَ سُلْطَانًا فَأَمْرُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِكْرَاهِ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُتَجَبِّرِينَ التَّرَفُّعَ عَنْ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ وَلَكِنَّهُمْ يَأْمُرُونَ ثُمَّ لَا يُعَاقِبُونَ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُمْ إلَّا بِالْقَتْلِ فَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْعَادَةِ كَانَ الْأَمْرُ مِنْ مِثْلِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِكْرَاهُ صَحِيحٌ كُلَّ حَالٍ يَعْنِي إنَّمَا يُنْسَبُ الْفِعْلُ إلَى الْآمِرِ بِالْأَمْرِ إذَا صَحَّ الْأَمْرُ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَاعِلِ كَمَا بَيَّنَّا فَأَمَّا فِي الْإِكْرَاهِ فَيُنْسَبُ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرِهِ إذَا أَمْكَنَ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ أَكْرَهَ حُرًّا عَلَى قَتْلِ عَبْدِهِ أَوْ عَلَى قَتْلِ حُرٍّ آخَرَ وَسَوَاءٌ أَكْرَهَ عَلَى الْحَفْرِ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ كَجَادَّةِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ صَحِيحٌ أَيْ مُتَحَقِّقٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ فَوَجَبَ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَى الْمُكْرَهِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ) كَالْإِكْرَاهِ بِحَبْسٍ أَوْ بِقَيْدٍ أَوْ بِضَرْبٍ لَا يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكْرِهِ حَتَّى اقْتَصَرَ الضَّمَانُ وَالْقَوَدُ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ إنَّمَا يَصِيرُ كَالْآلَةِ عِنْدَ تَمَامِ الْإِلْجَاءِ لِفَسَادِ الِاخْتِيَارِ بِاعْتِبَارِ خَوْفِ التَّلَفِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ فِي التَّهْدِيدِ بِالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ مَعْنَى خَوْفِ التَّلَفِ عَلَى نَفْسِهِ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرَهِ.

قَوْلُهُ (مِثْلُ الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ) الْأَكْلُ يَحْتَمِلُ النِّسْبَةَ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَكَلَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ وَهُوَ صَائِمٌ يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَلَا يَفْسُدُ صَوْمُ الْمُكْرِهِ لَوْ كَانَ صَائِمًا؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَصْلُحُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِي نَفْسِ الْأَكْلِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمُكْرَهِ فَأَمَّا نِسْبَتُهُ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ يَصْلُحُ آلَةً لَهُ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَكْلِ هَاهُنَا حَصَلَتْ لِلْمُكْرَهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.

كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَيَجِبُ الْعُقْرُ عَلَى الزَّانِي وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ حَصَلَتْ لَهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ تَلِفَتْ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَحْصُلَ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُكْرَهِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>