للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ هُوَ الزِّنَا بِالْمَرْأَةِ وَالْقَتْلِ وَالْجُرْحِ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ بِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ وَلَا يُرَخَّصُ فِيهِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الرُّخْصَةِ خَوْفُ التَّلَفِ وَالْمُكْرِهُ وَالْمُكْرَهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَسَقَطَ الْإِكْرَاهُ فِي حَقِّ تَنَاوُلِ دَمِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لِلتَّعَارُضِ وَفِي الزِّنَا فَسَادُ الْفِرَاشِ وَضَيَاعُ النَّسْلِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْقَتْلِ أَيْضًا حَتَّى إنَّ مَنْ قِيلَ لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَنَقْطَعَنَّ يَدَك حَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَوْقَ حُرْمَةِ يَدِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَيَدُ غَيْرِهِ وَنَفْسِهِ سَوَاءٌ وَالْحُرْمَةُ الَّتِي تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَصْلًا هِيَ حُرْمَةُ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ

ــ

[كشف الأسرار]

يَتَضَمَّنُ إتْلَافَ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ مَعْنًى فَيُنْقَلُ ذَلِكَ الْإِتْلَافُ الْمَعْنَوِيُّ إلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِتْلَافُ حِسًّا فَيُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ بِجَعْلِ الْمُكْرَهِ آلَةً لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْإِتْلَافَ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْإِعْتَاقِ فِي الْجُمْلَةِ لِتَحَقُّقِهِ بِالْقَتْلِ بِلَا إعْتَاقٍ مُحْتَمِلٍ لِلنَّقْلِ إلَى الْمُكْرَهِ بِأَصْلِهِ لِتَصَوُّرِهِ مِنْ الْمُكْرَهِ ابْتِدَاءً كَمَا بَيَّنَّا فَلِذَلِكَ يَرْجِعُ الْمُكْرِهُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ مُوسِرًا كَانَ الْمُكْرَهُ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْإِيسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَيَجُوزُ أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْغَيْرِ كَمَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعِتْقِ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْوَلَاءِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ

وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتُهُ لِلْغَيْرِ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ؛ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَفَذَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ مَالِكِهِ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ ضَمَانًا يُفْتَى بِهِ وَلَا يُقْضَى بِهِ فَلَوْ رَجَعَ بِضَمَانٍ يُقْضَى بِهِ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ مُقَدَّرٌ بِالْمِثْلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا أَتْلَفَ.

قَوْلُهُ (فَإِنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ) وَهُوَ الْحُرْمَةُ الَّتِي لَا تَنْكَشِفُ وَلَا تَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ هُوَ كَالزِّنَاءِ بِالْمَرْأَةِ قُيِّدَ بِالْمَرْأَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ زِنَا الرَّجُلِ فَإِنَّ زِنَا الْمَرْأَةِ يَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ

لَا يَحِلُّ ذَلِكَ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ كَمَا يَحِلُّ شُرْبُ الْخَمْرِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ بِهِ وَلَا يُرَخَّصُ فِيهِ مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ كَمَا رُخِّصَ فِي إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ ثُبُوتِ الرُّخْصَةِ خَوْفُ التَّلَفِ فَإِنَّهُ إذَا خَافَ تَلَفَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ جَازَ لَهُ التَّرَخُّصُ بِالْمُحَرَّمِ وَصِيَانَةً لِلنَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ عَنْ التَّلَفِ

وَالْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُكْرَهُ عَلَيْهِ بِفَتْحِهَا أَيْضًا وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْقَتْلِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّيَانَةِ عِنْدَ خَوْفِ التَّلَفِ سَوَاءٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَبْذُلَ نَفْسَ غَيْرِهِ لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ فَسَقَطَ الْإِكْرَاهُ فِي حَقِّ تَنَاوُلِ دَمِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لِلتَّعَارُضِ أَيْ صَارَ الْإِكْرَاهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي حَقِّ إبَاحَةِ قَتْلِ الْمَقْصُودِ بِالْقَتْلِ وَالتَّرَخُّصِ بِهِ لِتَعَارُضِ الْحُرْمَتَيْنِ فَإِنَّ التَّرَخُّصَ لَوْ ثَبَتَ بِالْإِكْرَاهِ لِصِيَانَةِ حُرْمَةِ نَفْسِ الْمُكْرَهِ مَنَعَ ثُبُوتُهُ وُجُوبَ صِيَانَةِ حُرْمَةِ نَفْسِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّيَانَةِ فَلَا يَثْبُتُ لِلتَّعَارُضِ

وَفِي الزِّنَا فَسَادُ الْفِرَاشِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَضَيَاعُ النَّسْلِ إنْ لَمْ تَكُنْ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْقَتْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَمَّا انْقَطَعَ عَنْ الزَّانِي لَا يُمْكِنُ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ تَكُنْ لِلْمَرْأَةِ قُوَّةُ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ لِعَجْزِهَا عَنْ الْكَسْبِ فَيَهْلِكُ الْوَلَدُ ضَرُورَةً فَكَانَ الزِّنَا بِمَنْزِلَةِ الْإِهْلَاكِ حُكْمًا فَلَا يَثْبُتُ التَّرْخِيصُ فِيهِ بِالْإِكْرَاهِ لِلتَّعَارُضِ أَيْضًا قِيلَ فَإِنَّ أُلْحِقَ الزِّنَا بِالْقَتْلِ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ مُسَلَّمٍ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةً فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حِينَئِذٍ يُنْسَبُ إلَى الْفِرَاشِ وَإِنْ خُلِقَ مِنْ الزِّنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَتْ نَفَقَةُ الْوَلَدِ وَتَرْبِيَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ فَلَا يَكُونُ الزِّنَا إهْلَاكًا.

قُلْنَا الْأَصْلُ أَنْ يُنْسَبَ الْوَلَدُ إلَى مَنْ خُلِقَ مِنْ مَائِهِ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَلَمَّا انْقَطَعَ النَّسَبُ عَنْ الزَّانِي كَانَ إهْلَاكًا حُكْمًا بِالنَّظَرِ إلَى الْأَصْلِ وَقَدْ يَنْفِي صَاحِبُ الْفِرَاشِ نَسَبَ مِثْلِ هَذَا الْوَلَدِ عَنْ نَفْسِهِ عَادَةً فَيُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ حَتَّى إنَّ مَنْ قَتَلَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّعَارُضِ يَعْنِي لَوْ لَمْ يَثْبُتْ التَّعَارُضُ فِي صُورَةِ التَّعَارُضِ ثَبَتَ التَّرَخُّصُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى قَطْعِ يَدِهِ حَلَّ لَهُ الْقَطْعُ

وَفِي الْمَبْسُوطِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الطَّرَفِ تَابِعَةٌ لِحُرْمَةِ النَّفْسِ وَالتَّابِعُ لَا يُعَارِضُ الْأَصْلَ وَلَكِنْ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْأَصْلِ فَفِي إقْدَامِهِ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ مُرَاعَاةُ حُرْمَةِ نَفْسِهِ وَفِي امْتِنَاعِهِ مِنْ ذَلِكَ تَعْرِيضُ النَّفْسِ عَلَى التَّلَفِ وَتَلَفُهَا يُوجِبُ تَلَفَ الْأَطْرَافِ لَا مَحَالَةَ وَلَا شَكَّ أَنَّ إتْلَافَ الْبَعْضِ لِإِبْقَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>