للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَسْتَقِمْ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعُ أَدَاءً فَيَتَكَرَّرُ فَلِذَلِكَ قِيلَ يَسْقُطُ وَالسُّورَةُ لَمْ تَجِبْ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ يَصْرِفُهَا إلَى مَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِاعْتِبَارِ الْأَدَاءِ.

وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَهِيَ تَنْقَسِمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، أَمَّا الْأَدَاءُ الْكَامِلُ فَهُوَ رَدُّ الْعَيْنِ فِي الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ، وَالْقَاصِرُ مِثْلُ أَنْ يَغْصِبَ عَبْدًا فَارِغًا ثُمَّ يَرُدُّهُ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ أَوْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ أَوْ الدَّيْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حَتَّى إذَا هَلَكَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ انْتَقَضَ التَّسْلِيمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَهُمَا هَذَا تَسْلِيمٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ عَيْبٌ عِنْدَهُمَا وَأَدَاءُ الزُّيُوفِ فِي الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ أَدَاءٌ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ وَلَيْسَ بِأَدَاءٍ بِوَصْفِهِ لِعَدَمِهِ فَصَارَ قَاصِرًا وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّهَا إذَا هَلَكَتْ

ــ

[كشف الأسرار]

قَضَاءً جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ بِطَرِيقِ الْمَنْعِ يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ السُّورَةَ وَجَبَتْ قَضَاءً بَلْ وَجَبَتْ بِاعْتِبَارِ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، ثُمَّ إذَا قَضَى السُّورَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ يُقَدِّمُ السُّورَةَ عَلَى الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْقِرَاءَةِ فَكَانَ تَقْدِيمُ السُّورَةِ أَوْلَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤَخِّرُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّغْيِيرِ كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ.

قَوْلُهُ (عَلَى هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ عَلَى الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ مُنْقَسِمًا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى أَقْسَامِ ثَلَاثَةٍ كَمَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا الْأَدَاءُ الْكَامِلُ فَهُوَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ وَالْبَيْعُ، وَأَدَاءُ الدَّيْنِ أَيْ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي وَجَبَ.

ثُمَّ عَدَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَإِنْ كَانَتْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِأَدَاءِ الدَّيْنِ سِوَى هَذَا وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَقْبُوضِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ حُكْمُ عَيْنِ الْحَقِّ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَصَارَ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنَّهُ حَرَامٌ، وَكَذَا لَهُ حُكْمُ عَيْنِ الْحَقِّ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ حَقِّهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ اسْتِبْدَالًا ح وَأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّرَاضِي فَعَرَفْنَا أَنَّهُ عَيْنُ مَا وَجَبَ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ عَلَى تَصَوُّرِهِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِي انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْقَضَاءِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ أَدَاءً وَلَا قَضَاءً وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَعْقُولِ وَالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ أَنَّ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ فِي حُكْمِ تَسْلِيمِ الدَّيْنِ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ الْمَحْضِ وَلَمْ يَجْعَلْ مِنْ الْأَدَاءِ الْقَاصِرِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ أَصْلًا وَوَصْفًا فَكَانَ أَدَاءً كَامِلًا قَوْلُهُ (مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ) بِأَنْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ جِنَايَةً يَسْتَحِقُّ بِهَا رَقَبَتَهُ أَوْ طَرَفَهُ أَوْ بِالدَّيْنِ بِأَنْ اُسْتُهْلِكَ فِي يَدِهِمَا مَالُ إنْسَانٍ فَتَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَيْ الْجِنَايَةَ وَالدَّيْنَ بِأَنْ رَدَّهُ مَرِيضًا أَوْ مَجْرُوحًا أَوْ رَدَّ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ أَوْ الْمَغْصُوبَةَ مَشْغُولَةً بِالْحَبَلِ.

، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ بَعْضِهَا وَالْبَعْضِ فَنَقُولُ إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَارِغًا فَرَدَّهُ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ أَوْ بِالدَّيْنِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمَالِكِ قَبْلَ الدَّفْعِ أَوْ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ بَرِئَ الْغَاصِبُ وَإِنْ دَفَعَ أَوْ قَتَلَ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِيعَ فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ رَجَعَ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ فَبِيعَ فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ يَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ سَلَّمَهُ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ فَهَلَكَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ يَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِأَنْ قَوَّمَ حَلَالَ الدَّمِ وَحَرَامَ الدَّمِ فَيَرْجِعُ بِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ.

فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَصْلُ الْأَدَاءِ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّهُ رَدُّ عَيْنِ مَا غَصَبَ أَوْ بَاعَ لَكِنَّهُ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ لَا عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ مُبَاحَ الدَّمِ فِي الْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا فَلَا يَمْنَعُ تَمَامَ التَّسْلِيمِ وَعِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ وَكَوْنُهُ عَيْبًا لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي حَلَّ دَمُهُ أَوْ طَرَفُهُ لَا يُشْتَرَى بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى أَشَدُّ مِنْ الْمَرَضِ وَهُوَ عَيْبٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي كَوْنِهِ اسْتِحْقَاقًا فَوْقَ الْعَيْبِ فَقَالَا: إنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِحْقَاقٍ؛ لِأَنَّ تَلَفَ الْمَالِيَّةِ الَّتِي وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ بِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا يَتَعَلَّقُ بِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا لَا بِالْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ لَا يَسْتَحِقُّ عُقُوبَةً كَالْبَهَائِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>