للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا أَنَّهُ يُقْطَعُ ثُمَّ يُقْتَلُ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مِثْلٌ كَامِلٌ وَأَمَّا الْقَتْلُ الْمُنْفَرِدُ فَمِثْلٌ قَاصِرٌ

ــ

[كشف الأسرار]

كَسَرَتْ قَصْعَةً لِصَفِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثُمَّ جَاءَتْ بِقَصْعَةٍ مِثْلَ تِلْكَ الْقَصْعَةِ فَرَدَّتْهَا وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَرُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ إنَّ بَنِي عَمِّك عَدَوْا عَلَى إبِلِي فَقَطَعُوا أَلْبَانَهَا وَأَكَلُوا فِصْلَانَهَا، الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَى أَنْ يَأْتِيَ هَذَا وَادِيَهُ فَيُعْطِي ثَمَّةَ إبِلًا مِثْلَ إبِلِهِ وَفِصْلَانًا مِثْلَ فِصْلَانِهِ فَرَضِيَ بِهِ عُثْمَانُ.

وَتَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدِ قَوْمٍ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ» إنْ كَانَ مُوسِرًا وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ إذْ لَمْ يَقُلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ نِصْفَ عَبْدٍ آخَرَ وَبِأَنَّ ضَمَانَ التَّعَدِّي مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ، وَهَذِهِ الْأَمْوَالُ تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ خِلْقَةً فَتَعَذَّرَ فِيهَا رِعَايَةُ الصُّورَةِ إذْ لَوْ رُوعِيَتْ لَفَاتَتْ الْمُمَاثَلَةُ مَعْنًى فَوَجَبَ رِعَايَةُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا تَفَاوُتَ فِيهِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ بِخِلَافِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ خِلْقَةً فَأَمْكَنَ فِيهَا رِعَايَةُ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَاحِدًا مِنْهَا مُرَابَحَةً عَلَى دِرْهَمٍ لِعَدَمِ تَفَاوُتِ الْقُفْزَانِ وَبِمِثْلِهِ فِي الْعَبِيدِ لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَهُمْ فَلَا يُعْرَفُ قَدْرُ الْوَاحِدِ مِنْ الْجُمْلَةِ قَطْعًا.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الرَّدَّ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ الضَّمَانِ فَقَدْ كَانَتْ الْقَصْعَتَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَصْعَةَ كَانَتْ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الصُّلْحِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمُتْلِفَ لَمْ يَكُنْ عُثْمَانَ وَالْإِنْسَانُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِجِنَايَةِ بَنِي عَمِّهِ إلَّا أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ مِثْلِ ذَلِكَ عَنْ بَنِي عَمِّهِ لِفَرْطِ مَيْلِهِ إلَى أَقَارِبِهِ وَانْتِصَارِهِمْ بِهِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمِثْلِ الْكَامِلِ أَصْلًا فِي الْبَابِ وَسَابِقًا عَلَى الْقَاصِرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَمَّا إنْ كَانَ الْقَتْلُ بَعْدَ الْبُرْءِ أَوْ قَبْلَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ شَخْصَيْنِ، وَأَمَّا إنْ كَانَا خَطَأَيْنِ أَوْ عَمْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُمَا جِنَايَتَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِالِاتِّفَاقِ.

وَكَذَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْبُرْءِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ، وَكَذَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْبُرْءِ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَلَكِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً، وَإِنْ كَانَا خَطَأَيْنِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَالْقَتْلُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُمَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَا عَمْدَيْنِ فَهُمَا جِنَايَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمَا، فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مُقَيَّدٌ بِالْعَمْدِ أَيْ قَطْعًا عَمْدًا، وَإِنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْبُرْءِ أَيْ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ بُرْءِ الْيَدِ، أَنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ أَيْ الشَّأْنِ أَنَّ الْوَلِيَّ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ قَطَعَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْفِعْلِ وَالْمَقْصُودُ الْفِعْلُ وَفِي الْقَتْلِ بِدُونِ الْقَطْعِ مُرَاعَاةُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَقْصُودِ بِالْفِعْلِ وَفِيهِ مَعَ الْقَطْعِ مُرَاعَاةُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَقْصُودِ بِالْفِعْلِ وَصُورَةِ الْفِعْلِ جَمِيعًا فَيَتَخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ الْقَطْعِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَالْمُعْتَبَرُ هُنَاكَ صِيَانَةُ الْمَحَلِّ عَنْ الْإِهْدَارِ لَا صُورَةُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ عَنَّا رَحْمَةً مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>