للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا أَصَحُّ

ــ

[كشف الأسرار]

أَنْ تَثْبُتَ لَهَا هَذِهِ الصِّفَةُ فِي الْإِتْلَافِ أَيْضًا سَدًّا لِبَابِ الْعُدْوَانِ فَأَجَابَ أَنَّ إحْرَازَهَا وَتَقَوُّمَهَا فِي بَابِ الْعَقْدِ إنَّمَا ثَبَتَ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْعَقْدِ يَعْنِي لَمَّا جَازَ الْعَقْدُ شَرْعًا يَثْبُتُ الْإِحْرَازُ ضَرُورَةً بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقْدِ، وَلَا يُقَالُ وَقَدْ ثَبَتَ التَّقَوُّمُ لَهَا فِي غَيْرِ الْعَقْدِ أَيْضًا كَمَا إذَا وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَجِبُ نِصْفُ الْعُقْرِ لِصَاحِبِهِ، لِأَنَّا نَقُولُ: مَنَافِعُ الْبُضْعِ الْتَحَقَتْ بِالْأَعْيَانِ عِنْدَ الدُّخُولِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ حُكْمًا، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُضْمَنُ بِالْعُقْرِ إذَا كَانَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا كَانَ عُدْوَانًا مَحْضًا فَلَا يَجِبُ الْعُقْرُ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَهَذَا الْجَوَابُ يُشِيرُ إلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْمُقَايَسَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْإِتْلَافِ لِكَوْنِ الْأَصْلِ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى.

وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ التَّقَوُّمَ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ ثَبَتَ بِقِيَامِ الْعَيْنِ مَقَامَهَا) جَوَابٌ آخَرُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ يَعْنِي لَمَّا كَانَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَى هَذَا الْعَقْدِ أَقَامَ الشَّرْعُ الْعَيْنَ الْمُنْتَفَعَ بِهَا مُقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنَافِعِ لَا يَصِحُّ بِأَنْ قَالَ: آجَرْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا ثُمَّ عِنْدَ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِيهَا فَيَثْبُتُ التَّقَوُّمُ لَهَا بِهَذَا الطَّرِيقِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِثْلُ هَذِهِ الضَّرُورَةِ فِي الْعُدْوَانِ فَتَبْقَى الْحَقِيقَةُ مُعْتَبَرَةً.

١ -

قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ) اعْلَمْ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ الْمَنَافِعَ الْمَعْدُومَةَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ كَالْمَوْجُودَةِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تَصِحُّ إلَّا مُضَافَةً إلَى مَحَالِّ أَحْكَامِهَا وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الدَّارِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا حَالَ الْعَقْدِ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لِيَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْمُقَدَّرِ عَلَى مِثَالِ الْحُكْمِ فِي الْمُحَقَّقِ فَأَنْزَلَ الْمَنَافِعَ مَوْجُودَةً تَحَرِّيًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَاعْتُبِرَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ فَصَارَتْ الْمَنْفَعَةُ بِذِكْرِهَا مَذْكُورَةً؛ لِأَنَّ بِاعْتِبَارِهَا حَدَثَتْ لَهَا عَرْضِيَّةُ الْوُجُودِ وَصَارَ كَالنُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ يُعْطَى لَهَا حُكْمُ الْوَلَدِ الْحَيِّ بِاعْتِبَارِ الْعَرْضِيَّةِ.

وَعِنْدَنَا عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُضَافٌ إلَى الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ خَلَفًا عَنْ الْمَنَافِعِ فِي حَقِّ كَوْنِهَا شَرْطًا لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى مَحَلٍّ فَصَارَ وُجُودُ الْمَحَلِّ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ بِحَقِّيَّتِهِ فِي بَيْعِ الْمَنَافِعِ إذْ لَا وُجُودَ لَهَا حَالَةَ الْعَقْدِ وَلَا بَقَاءَ لَهَا بَعْدَ الْوُجُودِ فَأَقَمْنَا الدَّارَ مُقَامَ الْمَنْفَعَةِ لِصِحَّةِ الْإِضَافَةِ ثُمَّ بَعْدَمَا وُجِدَ اللَّفْظَانِ الْمُرْتَبِطَانِ وَصَارَا عِلَّةً لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ يَتَأَخَّرُ عَمَلُهُمَا فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ إلَى حِينِ وُجُودِ الْمَنَافِعِ حَقِيقَةً سَاعَةً فَسَاعَةً، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْهُمَا مُضَافًا إلَى مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ صَحَّ كَلَامًا وَهُوَ الْعَقْدُ مِنْهُمَا إذْ الْعَقْدُ فَعَلَهُمَا وَلَا فِعْلَ يَصْدُرُ مِنْهُمَا سِوَى تَرْتِيبِ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ ثُمَّ الِانْعِقَادُ حُكْمُ الشَّرْعِ يَثْبُتُ وَصْفًا لِكَلَامِهِمَا شَرْعًا فَجَازَ أَنْ يُقَالَ الْعَقْدُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمَا وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامَيْنِ يَتَرَتَّبُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَحْكُمُ الشَّرْعُ بِالِانْعِقَادِ عِنْدَ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً كَذَا فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

فَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى يَكُونُ الْعَقْدُ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَالْحُكْمُ يَنْفُذُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ يَنْعَقِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَا عَلَى الْعَيْنِ، فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَنَقُولُ أَجَابَ الشَّيْخُ عَنْ السُّؤَالِ الْمُقَدَّرِ عَلَى مُعْتَقِدِ الْخَصْمِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ إحْرَازُهَا بِوِلَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>