للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَسَقَطَ اعْتِبَارُ هَذَا التَّفَاوُتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا التَّفَاوُتِ فِي ضَمَانِ الْعُقُودِ يُبْطِلُهَا أَصْلًا وَاعْتِبَارُهُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ لَا يُبْطِلُهُ أَصْلًا بَلْ يُؤَخِّرُهُ إلَى دَارِ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ حُكْمًا لِعَجْزٍ نَابَهُ لَا لِعَدَمِهِ فِي نَفْسِهِ وَإِهْدَارُ التَّفَاوُتِ يُوجِبُ ضَرَرًا لَازِمًا لِلْغَاصِبِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَمْ يَحْصُلْ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْجَائِزِ وَالْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيمَا شُرِعَ ضَرُورَةً.

ــ

[كشف الأسرار]

الْمَوْجُودُ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْبَقَاءِ كَيْفَ يَكُونُ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهِمَا مِثْلَ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِي الْأَعْيَانِ فَأَشْبَهَ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّرَاهِمِ فِي مِقْدَارِ الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِي زَمَانَيْنِ وَأَزْمِنَةٍ كَثِيرَةٍ إلَّا أَنَّ الدَّرَاهِمَ أَكْثَرُ بَقَاءً مِنْهُ وَمِثْلُ هَذَا التَّفَاوُتِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُتْلِفِ وَبَدَلِهِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ حَالَ وُجُوبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهَا حَالَ إقَامَةِ أَحَدِهِمَا مُقَامَ الْآخَرِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْصُوفًا بِالْبَقَاءِ لِيَصِحَّ الْمُقَابَلَةُ بِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فَأَمَّا الْبَقَاءُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ فَلَيْسَتْ مِنْ مُوجِبِ الْغَصْبِ وَالْعُدْوَانِ فَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ التَّفَاوُتُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ قَوْلُهُ (بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا) .

(فَإِنْ قِيلَ) الْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى إهْدَارِ هَذَا التَّفَاوُتِ هَهُنَا أَيْضًا سَدًّا لِبَابِ الْعُدْوَانِ إذْ فِي اعْتِبَارِهِ انْفِتَاحُ بَابِ الظُّلْمِ وَتَضَيُّقُ الْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ (قُلْنَا) لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْت فَإِنَّ مِسَاسَ الْحَاجَةِ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ وَهُوَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا لَا فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ وَهُوَ الْعُدْوَانُ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَسَبِيلُهُ أَنْ لَا يُوجَدَ كَيْفَ وَقَدْ أَوْجَبْنَا لِلزَّجْرِ التَّعْزِيرَ وَالْحَبْسَ فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَعِنْدَنَا يَأْثَمُ وَيُؤَدَّبُ عَلَى مَا صَنَعَ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا.

(فَإِنْ قِيلَ) فِي اعْتِبَارِ هَذَا التَّفَاوُتِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَالِكِ أَصْلًا وَفِي إهْدَارِهِ وَإِيجَابِ الضَّمَانِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَاصِبِ وَصْفًا فَكَانَ تَرْجِيحُ حَقِّ صَاحِبِ الْأَصْلِ أَوْلَى كَيْفَ وَأَنَّهُ مَظْلُومٌ وَالْغَاصِبُ ظَالِمٌ وَإِلْحَاقُ الْحَبْسِ بِالظَّالِمِ أَوْلَى (قُلْنَا) حَقُّ الْغَاصِبِ فِيمَا وَرَاءَ ظُلْمِهِ مُحْتَرَمٌ مَعْصُومٌ لَا يَجُوزُ تَفْوِيتُهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَدَّرَ الضَّمَانَ بِالْمِثْلِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الضَّمَانِ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الِانْتِصَافِ مَعَ قِيَامِ حُرْمَةِ مَالِهِ فَلَا يَتَرَجَّحُ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ حَقُّ الْغَاصِبِ يَفُوتُ وَصْفًا وَحَقُّ الْمَالِكِ يَفُوتُ أَصْلًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ لَا يَفُوتُ بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى دَارِ الْجَزَاءِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ نَحْوُ حَقِّ الشَّتْمِ وَالْأَذَى، فَأَمَّا حَقُّ الْغَاصِبِ فِي الْوَصْفِ فَيَبْطُلُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَمَا يَسْتَحِقُّ بِالْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ حُجَّةُ الشَّرْعِ لَا تَوَصُّلَ إلَيْهِ فِي دَارِ الْآخِرَةِ فَكَانَ تَأَخُّرُ الْأَصْلِ أَهْوَنَ مِنْ إبْطَالِ الْوَصْفِ.

يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ زِيَادَةً عَلَى مَا أَتْلَفَ كَانَ ظُلْمًا مُضَافًا إلَى الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الشَّرْعُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ يُوجِبْ الضَّمَانَ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْمِثْلِ كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ ثَابِتَةٍ فِي حَقِّنَا وَهِيَ أَنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْمِثْلِ وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ.

وَقَوْلُهُ: " أَلَا تَرَى " تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ: " وَسَقَطَ اعْتِبَارُ هَذَا التَّفَاوُتِ " وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيرُهُ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ هَذَا التَّفَاوُتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ وَبَقِيَ مُعْتَبَرًا لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ الْعُقُودِ أَصْلًا قَوْلُهُ (يُبْطِلُهَا أَصْلًا) أَيْ الْعُقُودَ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرَى خَيْرِيَّةً فِي الثَّمَنِ نَظَرًا إلَى جَانِبِهِ وَالْمُشْتَرِي كَذَلِكَ فِي جَانِبِ الْمَبِيعِ فَيَتَبَايَعَانِ طَلَبًا لِلْفَضْلِ الَّذِي رَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِ صَاحِبِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي بَابِ الْعُدْوَانِ لِمَا ذَكَرَ.

وَقَدْ أَوْرَدْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْحِهِ أَيْضًا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ " وَلَيْسَ إلَى التَّقَوُّمِ حَاجَةٌ؛ إذْ الِاسْتِبْدَالُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ التَّقَوُّمِ " مَعْنَاهُ أَنَّهَا قَدْ تَقَوَّمَتْ فِي بَابِ الْعُقُودِ لَا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ إذْ هِيَ تَنْدَفِعُ بِالِاسْتِبْدَالِ مِنْ غَيْرِ تَقَوُّمٍ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>