. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
نَفْعِ الْخَطَأِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ ضَمَانًا زَائِدًا لِمَعْنَى الِانْتِقَامِ وَتَشَفِّي الصَّدْرِ نَظَرًا لِلْوَلِيِّ وَإِبْقَاءً لِلْحَيَاةِ فَشَرْعُهُ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ الْأَصْلِيَّ لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ حَتَّى يَعْمَلَ فِيهِ إسْقَاطُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ لِمُسْتَحِقٍّ وَاحِدٍ بِمُقَابَلَةِ مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَأَثْبَتْنَا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ، وَلَنَا أَنَّهُ أَتْلَفَ مَضْمُونًا فَيَتَقَيَّدُ ضَمَانُهُ بِالْمِثْلِ مَا أَمْكَنَ كَإِتْلَافِ الْمَالِ وَتَفْوِيتِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَالْمَالُ لَيْسَ بِمِثْلٍ لِلْمُتْلَفِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْقِصَاصُ مِثْلٌ لَهُ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ وَإِفَاتَةُ حَيَاةٍ كَالْأَوَّلِ، وَمَعْنَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَتْلِ لَيْسَ إلَّا الِانْتِقَامُ وَالثَّانِي فِي مَعْنَى الِانْتِقَامِ كَالْأَوَّلِ وَلِهَذَا سُمِّيَ قِصَاصًا وَفِيهِ مُقَابَلَةُ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى، {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] ، فَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمِثْلِ الْكَامِلِ لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ عَلَى أَقْسَامِ الْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِالْفِدْيَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمِثْلِ الْكَامِلِ وَهُوَ الصَّوْمُ لِمَا ذَكَرْنَا.
(فَإِنْ قِيلَ) كَمَا أَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمِثْلٍ لِلْقِصَاصِ أَوْ النَّفْسِ فَكَذَا الْقَتْلُ لَيْسَ بِمِثْلٍ لِلْقَطْعِ مَعَ الْقَتْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَتْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ (قُلْنَا) الْمَالُ لَيْسَ بِمِثْلٍ لِلنَّفْسِ صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَأَمَّا الْقَتْلُ فَمِثْلٌ لِلْقَطْعِ صُورَةً وَمَعْنًى وَمِثْلٌ لِلْقَطْعِ مَعْنًى لَا صُورَةً فَلِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الِابْتِدَاءِ أَحَدَهُمَا إمَّا الْجَمْعُ أَوْ الِاقْتِصَارُ فَلَا يَكُونُ الِاقْتِصَارُ انْتِقَالًا عَنْ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ إلَى خَلَفِهِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ كَانَتْ خَلَفًا عَنْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ دُونَ الدِّيَةِ الَّتِي لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَائِتِ بِوَجْهٍ فَيَكُونُ خِيَارُ الدِّيَةِ انْتِقَالًا عَنْ الْأَصْلِ إلَى الْخَلَفِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْحَقِّ وَإِسْقَاطِ الْبَاقِي وَلِهَذَا جَازَ الِاقْتِصَارُ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْقِصَاصُ إلَى الْأَحْيَاءِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّةِ الضَّمَانِ أَقْرَبُ.
بَيَانُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ أَفَاتَ حَيَاةً فَيَكُونُ الْمِثْلُ الْقَائِمُ مَقَامَهُ مَا يَنْجَبِرُ بِهِ الْفَائِتُ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِإِتْلَافِ حَيَاةٍ تَحْصُلُ بِهِ حَيَاةٌ لِلْوَلِيِّ الْقَائِمِ مَقَامَ الْقَتِيلِ وَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ دُونَ إيجَابِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ إفَاتَةَ الْحَيَاةِ مَضْمُونَةٌ بِمَا تَقُومُ مَقَامَهَا وَإِنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْحَيَاةِ حَيَاةٌ أُخْرَى لَا مَالَ إذْ كُلُّ الدُّنْيَا لَا يُسَوَّى بِحَيَاةِ سَاعَةٍ وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً لَنَا وَذَلِكَ فِي شَرْعِيَّتِهِ وَاسْتِيفَائِهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَنْ قَصَدَ قَتْلَ عَدُوِّهِ وَتَفَكَّرَ أَنَّهُ يَقْتَصُّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَنْزَجِرُ عَنْ ذَلِكَ فَيَكُنْ الْقِصَاصُ حَيَاةً لَهُمَا جَمِيعًا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْخِطَابُ لِكَافَّةِ النَّاسِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَنْ قَتَلَ إنْسَانًا يَصِيرُ حَرْبًا عَلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتْلِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَهُمْ يَخَافُونَهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَادَاتُ الْمُتَغَلِّبَةِ فَمَتَى قَتَلُوهُ قِصَاصًا انْدَفَعَ عَنْهُمْ الشَّرُّ وَالْهَلَاكُ وَبَقِيَتْ حَيَاتُهُمْ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْخِطَابُ لِلْوَرَثَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى سَمَّى دَفْعَ الْهَلَاكِ مِنْ الْحَيِّ إحْيَاءً قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] .
فَيَكُونُ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةُ أَوْلَادِهِ وَفِي حَيَاتِهِمْ حَيَاةٌ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الرَّجُلِ بِبَقَاءِ وَلَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَلِهَذَا يَسْعَى لِوَلَدِهِ كَمَا سَعَى لِنَفْسِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْقِصَاصَ إلَى الْإِحْيَاءِ أَقْرَبُ، وَإِنَّمَا قَالَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ لِلْمَالِ نَوْعَ قُرْبِ إلَى الْمَقْصُودِ إذْ بِوُجُوبِهِ قَدْ يَمْتَنِعُ الْقَاتِلُ عَنْ الْقَتْلِ وَبِاسْتِيفَائِهِ قَدْ يَمْتَنِعُ الْوَلِيُّ عَنْ انْتِقَامٍ لَكِنَّهُ دُونَ الْقِصَاصِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَلِهَذَا كَانَ الْقِصَاصُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute