للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا شُرِعَ عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ وَمِنَّةً عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ سَلَّمَتْ لَهُ نَفْسَهُ وَلِلْقَتِيلِ بِأَنْ لَمْ يُهْدَرْ حَقُّهُ، وَلِهَذَا قُلْنَا نَحْنُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إنَّ الْقِصَاصَ لَا يُضْمَنُ لِوَلِيِّهِ بِالشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ عَلَى الْعَفْوِ أَوْ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ صُورَةً وَمَعْنًى

ــ

[كشف الأسرار]

أَقْرَبَ إلَى الْمَقْصُودِ.

قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا شُرِعَ الْمَالُ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمَالَ مِثْلٌ لِلنَّفْسِ بِدَلِيلِ حَالَةِ الْخَطَأِ فَقَالَ إنَّمَا شُرِعَ الْمَالُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَجْلِ صِيَانَةِ الدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ فَإِنَّهُ عَظِيمُ الْخَطَرِ وَتَعَذُّرُ إيجَابِ الْقِصَاصِ لَا بِطَرِيقِ أَنَّهُ مِثْلٌ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَاتِ الْمُعَجَّلَةِ فِي الدُّنْيَا فَلَا يَجُوزُ مُؤَاخَذَةُ الْخَاطِئِ بِهِ لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا فِيهِ وَنَفْسُ الْمَقْتُولِ مُحْتَرَمَةٌ لَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهَا بِعُذْرِ الْخَاطِئِ فَوَجَبَ صِيَانَتُهَا عَنْ الْهَدَرِ فَأَوْجَبَ الشَّرْعُ الْمَالَ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الْإِهْدَارِ لَا بِطَرِيقِ أَنَّهُ مِثْلٌ كَمَا أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي عِنْدَ وُقُوعِ الْيَأْسِ لَهُ عَنْ الصَّوْمِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِطْعَامَ مِثْلُ الصَّوْمِ، فَيَكُونُ فِي إيجَابِ الْمَالِ مِنَّةٌ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ سَلِمَتْ لَهُ نَفْسُهُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً وَمِنَّةً عَلَى الْمَقْتُولِ بِأَنْ لَمْ يُهْدَرْ حَقُّهُ بِإِيجَابِ شَيْءٍ يَقْضِي بِهِ حَوَائِجَهُ أَوْ حَوَائِجَ وَرَثَتِهِ مَعَ أَنَّ الْقَاتِلَ مَعْذُورٌ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْخَطَأِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ مَوَاضِعِ الْعَمْدِ يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ تَعَذُّرُ الْقِصَاصِ مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ لِمَعْنًى فِي الْمَحَلِّ يَجِبُ الْمَالُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَخْصُوصَ مِنْ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ يَلْحَقُهُ مَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَالْأَبُ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا يَجِبُ الْمَالُ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْقِصَاصِ بِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَإِذَا عَفَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ يَجِبُ لِلْآخَرِ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى فِي الْمُقَاتِلِ وَهُوَ أَنَّهُ أَحَيًّا بَعْضَ نَفْسِهِ بِعَفْوِ الشَّرِيكِ فَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ فَوَجَبَ الْمَالُ لِلْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْخَاطِئِ، وَفِي لَفْظِ الشَّيْخِ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا حَيْثُ قَالَ وَإِنَّمَا شُرِعَ عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ وَلَمْ يَقُلْ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ إذْ وُجُوبُ الْمَالِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِحَالَةِ الْخَطَأِ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الصُّوَرِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلِهَذَا قَالَ عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ لِيَكُونَ شَامِلًا لِلصُّوَرِ جَمْعًا قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَكُونُ الْمَالُ مِثْلًا لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ بِهِ قُلْنَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ لَمْ يَضْمَنُوا لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ شَيْئًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ لَهُ.

١ -

وَكَذَا إذَا قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إنْسَانٌ آخَرُ لَا يَضْمَنُ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ شَيْئًا وَمَا ذُكِرَ هَهُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ يَضْمَنُ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ الدِّيَةَ كَالشَّاهِدِ، وَرَأَيْت فِي التَّهْذِيبِ وَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِوَرَثَتِهِ وَحَقُّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي تَرِكَتِهِ وَلَوْ عَفَا وَارِثُهُ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ لِلْوَارِثِ كَالْقِصَاصِ وَحَقُّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي تَرِكَتِهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ شَيْئًا لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ أَيْضًا، وَسَنَذْكُرُ الْفَرْقَ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْوِفَاقِ.

وَقَوْلُهُ (أَوْ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ) إضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ، لَهُ أَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْوَلِيِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا صَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى الدِّيَةِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ جَمِيعُ الْمَالِ وَقَدْ أَتْلَفُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمْ فَيَضْمَنُونَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا كَمَا تُضْمَنُ النَّفْسُ بِالْإِتْلَافِ حَالَةَ الْخَطَأِ وَكَذَا الْقَاتِلُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ حَقَّهُ الْمُتَقَوَّمَ فَيَضْمَنُ.

، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّهْذِيبِ وَالْأَسْرَارِ فَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الْقَاتِلَ إنَّمَا أَتْلَفَهُ ضِمْنًا لِإِتْلَافِ الْمَحَلِّ لَا قَصْدًا إلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>