للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا شَرْطٌ فِي أَدَاءِ حُكْمِ كُلِّ أَمْرٍ حَتَّى أَجْمَعُوا أَنَّ الطَّهَارَة بِالْمَاءِ لَا تَجِبُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهَا بِبَدَنِهِ وَعَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ إلَّا بِنُقْصَانٍ يَحِلُّ بِهِ أَوْ بِمَالِهِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ وَفِي مَرَضٍ يَزْدَادُ بِهِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا إلَّا بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ وَالْحَجُّ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ إلَّا بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَ السَّفَرِ الْمَخْصُوصِ بِهِ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِمَا فِي الْغَالِبِ وَلَا يَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا بِقُدْرَةٍ مَالِيَّةٍ حَتَّى إذَا هَلَكَ النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ سَقَطَ الْوَاجِبُ بِالْإِجْمَاعِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْمَأْمُورِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ رَسُولًا إلَى النَّاسِ كَافَّةً ثُمَّ صَحَّ الْأَمْرُ فِي حَقِّ الَّذِينَ وُجِدُوا بَعْدَهُ وَيَلْزَمُهُمْ الْأَدَاءُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَهُمْ فَيَتَمَكَّنُوا مِنْ الْأَدَاءِ فَكَمَا يَحْسُنُ الْأَمْرُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَأْمُورِ يَحْسُنُ قَبْلَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الْأَدَاءِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ التَّمَكُّنِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ لَا يُعْدِمُ صِفَةَ الْحُسْنِ فِي الْأَمْرِ فَإِنَّ الْمَرِيضَ يُؤْمَرُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا بَرِئَ فَيَكُونُ ذَلِكَ حَسَنًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: ١٠٣] أَيْ إذَا أَمِنْتُمْ مِنْ الْخَوْفِ فَصَلُّوا بِلَا إيمَاءٍ وَلَا مَشْيٍ فَثَبَتَ بِمَا ذُكِرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّكْلِيفَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى وُجُودِهَا عِنْدَ الْفِعْلِ فَاشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ الَّتِي هِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ عِنْدَ التَّكْلِيفِ يَكُونُ فَضْلًا لَا مَحَالَةَ.

قَوْلُهُ (وَهَذَا شَرْطٌ فِي أَدَاءِ حُكْمِ كُلِّ أَمْرٍ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقُدْرَةِ بِسَلَامَةِ الْآلَاتِ شَرْطُ وُجُوبِ أَدَاءِ مَا ثَبَتَ بِكُلِّ أَمْرٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ حَسَنًا لَعَيْنه أَوْ لِغَيْرِهِ، حَتَّى أَجْمَعُوا أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهَا بِبَدَنِهِ بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ حَقِيقَةً، وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْمُعِينُ حُرًّا أَوْ امْرَأَتُهُ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا إعَانَتُهُ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْفَرْقُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْعَبْدَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَانَةُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ بَدَنِهِ بِخِلَافِ الْحُرِّ وَعَنْ هَذَا قِيلَ إنْ كَانَ الْمُعِينُ يُعِينُهُ بِبَدَلٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْكُلِّ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ وَأَجْمَعُوا مُؤَوَّلٌ بِمَا ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعِينُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ فِي الْمِصْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَجِدُ فِي الْمِصْرِ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ وَالْعَجْزُ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِخِلَافِ مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (وَعَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ حُكْمًا بِأَنْ حَلَّ نُقْصَانٌ بِبَدَنِهِ بِأَنْ ازْدَادَ مَرَضُهُ بِالتَّوَضُّؤِ أَوْ بِمَالِهِ بِأَنْ لَا يَجِدَ الْمَاءَ إلَّا بِثَمَنٍ غَالٍ.

، وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْغَالِي فَقِيلَ إنْ كَانَ لَا يَجِدُهُ إلَّا بِضَعْفِ الْقِيمَةِ فَهُوَ غَالٍ وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَهُوَ غَالٍ وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَاءِ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَعِزُّ فِيهِ الْمَاءُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوْلُهُ فِي مَرَضٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الزِّيَادَةِ، وَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَالْوُضُوءِ الصَّلَاةُ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا إلَّا بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ أَيْ الْمُكْنَةِ وَلِهَذَا كَانَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِحَسَبِ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَ السَّفَرِ الْمَخْصُوصِ بِهِ أَيْ بِالْحَجِّ، لَا يَحْصُلُ دُونَهُمَا أَيْ دُونَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي الْغَالِبِ فَالزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّفَرِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَادَةُ؛ لِأَنَّ الزَّادَ عِبَارَةٌ عَنْ قُوتِهِ وَالرَّاحِلَةَ عِبَارَةٌ عَمَّا تَحْمِلُهُ وَهُوَ لَا يَجِدُ بُدًّا عَنْهُمَا وَلَا يُشْتَرَطُ زِيَادَةُ الْمَالِ وَالْخَدَمِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ ح يَتَعَلَّقُ بِالْمُكْنَةِ الْمُيَسَّرَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ بِدُونِهِمَا بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ كَمَا هُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَقَدْ يُوجَدُ بِدُونِ الرَّاحِلَةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ لَا يَصِحُّ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ أَدْنَى الْقُدْرَةِ فِيهِ صِحَّةُ الْبَدَنِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَاكْتِسَابِ الزَّادِ فِي الطَّرِيقِ وَلِهَذَا صَحَّ النَّذْرُ بِهِ مَاشِيًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>