للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَحْصُلُ بِأَوَّلِ الْجُزْءِ خِلَافًا لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا وَأَنَّ الْخِطَابَ بِالْأَدَاءِ لَا يَتَعَجَّلُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

ــ

[كشف الأسرار]

الْقَضَاءُ بِنَاءً عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْوُجُوبِ وَعَدَمُ الْإِثْمِ بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَهَذَا هُوَ التَّخْرِيجُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ تَصَوُّرَ الْقُدْرَةِ كَافٍ فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الْجُمْلَةِ لِيَنْعَقِدَ السَّبَبُ سَبَبًا فِي حَقِّ الْخَلَفِ قَائِمًا مَقَامَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ مُتَصَوَّرًا لَصَارَ الْخَلَفُ فِي حَقِّ كَوْنِهِ حُكْمًا لِلسَّبَبِ أَصْلًا وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ احْتِمَالِهِ وَتَصَوُّرِهِ لِيُجْعَلَ فِي الْأَصْلِ كَأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ تَقْدِيرًا وَدَلَالَةً أَنَّ التَّصَوُّرَ كَافٍ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ عَلَى النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا انْتَبَهَ وَأَفَاقَ وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الْأَدَاءِ لَهُمَا حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِمَا قُلْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى نَفْسِ الْوُجُوبِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْوُجُوبَ إذَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَإِنْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْأَدَاءِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ ثَابِتًا أَوْ لَا ثُمَّ يَجِبُ الْقَضَاءُ لِفَوَاتِهِ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَصْلُحَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِإِفْضَائِهِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ لِمَانِعٍ ظَهَرَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْخَلَفِيَّةِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ وَهُوَ الْوَقْتُ يَصْلُحُ لِلْإِفْضَاءِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي نَفْسُ الْأَمْرِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْتَيْقِظِ وَالْمُفِيقِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْقَضَاءِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ.

قَوْلُهُ (فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوُجُوبَ بِأَوَّلِ الْجُزْءِ) أَيْ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ وَاللَّامُ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي

أَوْ بَدَلٌ مِنْ الْإِضَافَةِ.

قَوْلُهُ (خِلَافًا لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا) نَفْيٌ لِقَوْلِ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا حَيْثُ قَالُوا الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَقَوْلُهُ إنَّ الْخِطَابَ بِالْأَدَاءِ لَا يَتَعَجَّلُ نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْوُجُوبَ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ عِبَارَتَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَتَبَيَّنَ كُلُّ فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَنَقُولُ الْوَاجِبُ إذَا تَعَلَّقَ بِوَقْتٍ يَفْضُلُ عَنْ أَدَائِهِ يُسَمَّى وَاجِبًا مُوَسَّعًا كَمَا يُسَمَّى ذَلِكَ الْوَقْتُ ظَرْفًا وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَمَعْنَى التَّوَسُّعِ أَنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَقْتٌ لِأَدَائِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى سُقُوطِ الْفَرْضِ وَيَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى أَنْ يَتَضَيَّقَ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ عَنْهُ فَاتَ الْأَدَاءُ " فح " يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ.

، وَأَنْكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّوَسُّعَ فِي الْوُجُوبِ وَقَالَ إنَّهُ يُنَافِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مَا لَا يَسَعُ تَرْكُهُ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ بِالتَّوَسُّعِ فِيهِ يُوجِبُ أَنْ يَجُوزَ تَرْكُهُ وَلَا يُعَاقَبَ عَلَيْهِ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنْ أَخَّرَهُ فَهُوَ قَضَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِهِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنْ قَدَّمَهُ فَهُوَ نَفْلٌ يَمْنَعُ لُزُومَ الْفَرْضِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَمَوْقُوفٌ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِهِ عِنْدَ آخَرِينَ فَإِنْ بَقِيَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ كَانَ الْمُؤَدَّى وَاجِبًا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ كَذَلِكَ كَانَ نَفْلًا، فَمَنْ جَعَلَ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقًا بِأَوَّلِ الْوَقْتِ قَالَ الْوَاجِبُ الْمُوَقَّتُ لَا يَنْتَظِرُ لِوُجُوبِهِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ شَرَائِطِهِ سِوَى دُخُولِ الْوَقْتِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَكَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مَعَ أَسْبَابِهَا وَإِذَا ثَبَتَ الْوُجُوبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ امْتِنَاعِ التَّوَسُّعِ، وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>