. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَالتَّأْخِيرُ يُنَافِي الْمُطَالَبَةَ فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ فَقَدْ انْتَهَى التَّخْيِيرُ " فح " يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لِتَحَقُّقِ الْمُطَالَبَةِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى النِّصَابِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُطَالَبًا بِالْأَدَاءِ مَعَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ النِّصَابُ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ فَثَبَتَ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يُنَافِي الْمُطَالَبَةَ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ عَلَى الْفَوْرِ تَحَقَّقَتْ بَلْ ثَبَتَتْ بِصِفَةِ التَّرَاخِي بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ عَنْ الْعُمُرِ عَلَى مَا عُرِفَ وَفِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْعُمُرِ تَعَيَّنَ الْمُطَالَبَةُ كَمَا فِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ هَهُنَا كَذَا قِيلَ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) تَأْثِيرُ الْمَذْهَبِ أَيْ وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَنَا قُلْنَا إذَا مَاتَ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى انْفِكَاكِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ بِمَسْأَلَةٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا فَقَالَ وَهُوَ أَيْ تَرَاخِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ الْوُجُوبِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ نَظِيرُ تَرَاخِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا مَرَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَزْدَدْ الْإِغْمَاءُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيْثُ ثَبَتَ أَصْلُ الْوُجُوبِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا وَتَرَاخِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ بِزَوَالِ الْفَهْمِ.
(فَإِنْ قِيلَ) السَّبَبِيَّةُ تَثْبُتُ بِالْخِطَابِ أَيْضًا فَإِنَّ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ السَّبَبِيَّةُ ثَابِتَةً لِلْوَقْتِ فَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يُخَاطَبُ.
(قُلْنَا) بِالْخِطَابِ عُرِفَ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْوَقْتَ سَبَبًا فَبَعْدَ ذَلِكَ يُفْتَى بِالْوُجُوبِ فِي حَقِّ كُلِّ أَهْلٍ ثَبَتَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُشْتَرَطُ خِطَابُ كُلِّ فَرْدٍ لِصَيْرُورَةِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ سَبَبًا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْوُجُوبِ كَمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِهِ جَبْرًا فَكَذَا بِسَبَبِ الْوُجُوبِ بَلْ الْحَاجَةُ فِي الْجُمْلَةِ تَقَعُ إلَى جَعْلِ الشَّرْعِ إيَّاهُ سَبَبًا وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ بَلْ إذَا عَرَفَ الْفَقِيهُ بِالسَّبَبِيَّةِ يُفْتِي بِالْوُجُوبِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ ثَبَتَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ هُنَاكَ بِالسَّبَبِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ عِلْمُ كُلِّ شَخْصٍ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْإِتْلَافُ جُعِلَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ وَالنِّكَاحُ لِلْحِلِّ وَالْبَيْعُ لِلْمِلْكِ وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْخِطَابُ فِي حَقِّهِمْ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي طَرِيقَتِهِ.
(فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِدْلَال وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْهُ وَالْخَلَفُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَصْلِ وَقَدْ تَمَحَّلْتُمْ فِي إثْبَاتِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ وَنَظَائِرِهِ لَا يُجَابُ الْقَضَاءُ كَمَا مَرَّ الْكَلَامُ مَعَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَهَهُنَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ فَمَعَ وُجُوبِهِ تَعَذَّرَ الْقَوْلُ بِانْتِفَاءِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْهُمَا، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَالْأَدَاءُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْخِطَابِ فَوَجَبَ هَهُنَا أَمَّا سُقُوطُ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ أَوْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ قَبْلَ الِانْتِبَاهِ وَالْإِفَاقَةِ " وح " لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال.
(قُلْنَا) قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ يَكُونُ الْفِعْلُ فِيهِ بِنَفْسِهِ مَطْلُوبًا مِنْ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَأْثَمَ فِيهِ بِتَرْكِ الْفِعْلِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اسْتِطَاعَةِ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَنَوْعٌ لَا يَكُونُ فِعْلُ الْأَدَاءِ فِيهِ مَطْلُوبًا حَتَّى لَا يَأْثَمُ فِيهِ بِتَرْكِ الْأَدَاءِ بَلْ الْمَطْلُوبُ ثُبُوتُ خَلَفِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَيُكْتَفَى فِيهِ بِتَصَوُّرِ ثُبُوتِ الِاسْتِطَاعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ حَقِيقَةُ الِاسْتِطَاعَةِ فَفِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِمَعْنَى كَوْنِ الْفِعْلِ فِيهِ مَطْلُوبًا عَلَى وَجْهٍ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ لَمْ يُوجَدْ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ اسْتِطَاعَةُ سَلَامَةِ الْآلَاتِ فَأَمَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهٍ يَصْلُحُ وَسِيلَةً إلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ فِيهِ مَقْصُودًا فَمَوْجُودٌ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ تَصَوُّرُ حُدُوثِ الِاسْتِطَاعَةِ بِالِانْتِبَاهِ وَالْإِفَاقَةِ فَوَجَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute