. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
وَوُجُودُ الْفِعْلِ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ عَدَمَ الْفِعْلِ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ لِعَدَمِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ عَنْهُ فَكَانَ الْعَبْدُ مُلْزَمًا وَمَحْجُوجًا عَلَيْهِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بِالْخِطَابِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَصِحَّةِ الْأَسْبَابِ وَالتَّكْلِيفُ يَعْتَمِدُ هَذِهِ الْقُدْرَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ عِنْدَ إرَادَةِ الْعَبْدِ الْفِعْلَ أَوْ مُبَاشَرَتِهِ إيَّاهُ وَوُجُودُ الْفِعْلِ يَفْتَقِرُ إلَى هَذِهِ الْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَكَانَ قَوْلُهُ وَلِهَذَا كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُوبِ تَعَجُّلُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مُقَارِنَةٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي يُوجَدُ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَلَوْ كَانَ نَفْسُ الْوُجُوبِ يُوجِبُ تَعَجُّلَ الْأَدَاءِ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مُقَارِنَةً لِنَفْسِ الْوُجُوبِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ.
، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حَمَلَ الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ لَا عَلَى سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَحَمَلَ قَوْلَهُ تَعَجُّلُ الْأَدَاءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ يَعْنِي لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُوبِ أَنْ يُوجَدَ الْفِعْلُ مُقَارِنًا لَهُ وَمُتَّصِلًا بِهِ وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ الْفِعْلِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْوُجُوبِ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ لَا مُقَارِنَةً لِلْوُجُوبِ وَلَوْ كَانَ تَعَجُّلُ الْأَدَاءِ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُوبِ لَكَانَتْ مُقَارِنَةً لِلْوُجُوبِ لِاقْتِرَانِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الْقُدْرَةِ بِهِ، وَلَكِنْ لَا تَعَلُّقَ لِهَذَا الْوَجْهِ بِالْمَطْلُوبِ وَهُوَ تَأَخُّرُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ كَمَا تَرَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ تَأَخُّرُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَا الِاسْتِطَاعَةَ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ لَا سَابِقَةً عَلَيْهِ احْتِرَازًا عَنْ تَكْلِيفِ الْعَاجِزِ وَتَحَقُّقُ الْفِعْلِ بِلَا قُدْرَةٍ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْفِعْلِ كَانَتْ عَدَمًا وَقْتَ وُجُودِ الْفِعْلِ لِاسْتِحَالَةِ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ إلَى الزَّمَانِ الثَّانِي فَيَكُونُ الْفِعْلُ وَاقِعًا مِمَّنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَوْ تُصُوِّرَ الْفِعْلُ بِلَا قُدْرَةٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِهَا فِي التَّكْلِيفِ فَائِدَةٌ وَلَصَحَّ تَكْلِيفُ الْعَاجِزِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ وَالْعَقْلِ فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِمُقَارَنَةِ الْقُدْرَةِ مَعَ الْفِعْلِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ تَكْلِيفِ الْعَاجِزِ ثُمَّ لَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ قَدْ يَثْبُتُ جَبْرًا بِلَا اخْتِيَارِ الْعَبْدِ أَيْ يَثْبُتُ عِنْدَ الْعَجْزِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اخْتِيَارِ الْفِعْلِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَزِمَ مِنْهُ تَكْلِيفُ الْعَاجِزِ الَّذِي احْتَرَزْنَا عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِطَاعَةِ.
وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ وَلَكِنْ لَا يَنْقَادُ لَهُ سَوْقُ الْكَلَامِ إذْ لَيْسَ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِيهِ مَرْجِعٌ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ ذِكْرِ تَكْلِيفِ الْعَاجِزِ إلَّا بِإِضْمَارٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُوبِ تَعَجُّلُ الْأَدَاءِ أَيْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَتِهِ لَزِمَ تَكْلِيفُ الْعَاجِزِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلِهَذَا أَيْ وَلِعَدَمِ جَوَازِ تَكْلِيفِ الْعَاجِزِ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ كَذَا، فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَخْلُ عَنْ تَمَحُّلٍ أَيْضًا.
قَوْلُهُ (وَهُوَ كَثَوْبٍ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ وَتَأَخُّرِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ نَظِيرُ ثَوْبٍ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ أَيْ هَاجَتْ وَثَارَتْ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا بَعْدَمَا اسْتَوْضَحَ كَلَامَهُ بِنَظَرَيْنِ وَهُمَا الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَقُ وَأَشْبَهُ بِمَرَامِهِ إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي مُبَاشَرَةِ هَذَا السَّبَبِ وَتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ كَمَا لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي وُجُودِ الْوَقْتِ وَثُبُوتِ الْوُجُوبِ بِهِ فَأَمَّا الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ فَلَهُ فِي مُبَاشَرَتِهِمَا اخْتِيَارٌ تَامٌّ.
قَوْلُهُ (وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُوجَدْ الْمُطَالَبَةُ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْمُطَالَبَةُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّأْخِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute