. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ أَوْ الصِّحَّةِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَسَيَأْتِي بَيَانُ فَسَادِ فَرْقِهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اعْتَرَضَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَقَالَ مَا ذَكَرْنَا طَرِيقَةُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَهِيَ وَاهِيَةٌ بِمَرَّةٍ بَلْ هِيَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّوْمِ هُوَ عَيْنُ الصَّوْمِ لَا غَيْرُهُ فَإِنَّ الصَّوْمَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَلَا فِعْلَ لَهُ إلَّا الْأَدَاءُ وَهَذَا شَيْءٌ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالدَّلِيلِ لِثُبُوتِ صِحَّتِهِ فِي الْبِدَايَةِ، قَالَ ثُمَّ يَقُولُ الصَّوْمُ مَا هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ نَهَارًا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ غَيْرُهُ فَإِنْ قَالَ غَيْرُهُ بَانَ بَهْتُهُ وَمُكَابَرَتُهُ لِكُلِّ مُنْصِفٍ وَإِنْ قَالَ هُوَ الْإِمْسَاكُ فَنَقُولُ الْإِمْسَاكُ فِعْلُك أَمْ هُوَ مَعْنًى وَرَاءَ فِعْلِك فَإِنْ قَالَ هُوَ مَعْنًى وَرَاءَ فِعْلِي فَيُقَالُ أَيُوجَدُ بِفِعْلِك أَمْ بِغَيْرِ فِعْلِك؟ فَإِنْ قَالَ يُوجَدُ بِغَيْرِ فِعْلِي فَقَدْ جَعَلَ الصَّوْمَ مِمَّا يُوجَدُ بِلَا فِعْلِ الْعَبْدِ وَاخْتِيَارِهِ وَذَا فَاسِدٌ، وَإِنْ قَالَ يُوجَدُ بِفِعْلِي فَيُقَالُ لَهُ بِأَيِّ فِعْلٍ يُوجَدُ وَمَا ذَلِكَ الْفِعْلُ الَّذِي يُوجَدُ بِهِ الْإِمْسَاكُ الَّذِي هُوَ صَوْمٌ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ.
، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَك وَبَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ الضَّرْبُ لَيْسَ بِفِعْلٍ لِلرَّجُلِ وَلَكِنَّهُ يُوجَدُ بِفِعْلِهِ؟ وَكَذَا الْجُلُوسُ وَالْقِيَامُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَفِي ارْتِكَابِ هَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْمَعَارِفِ وَجَحْدٌ لِلضَّرُورَاتِ، وَإِنْ قَالَ الْإِمْسَاكُ فِعْلِي فَنَقُولُ إذَا حَصَلَ مِنْك الْإِمْسَاكُ فَقَدْ حَصَلَ مِنْك الْفِعْلُ فَمَا الْأَدَاءُ فِعْلٌ آخَرُ هُوَ، فَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَإِذَا صَارَ الصَّائِمُ فَاعِلًا بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْإِمْسَاكُ وَالْآخَرُ أَدَاءُ الْإِمْسَاكِ وَكَذَا كُلُّ فَاعِلٍ فَعَلَ فِعْلًا كَالْآكِلِ وَالشَّارِبِ وَالْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ كَانَ فَاعِلًا فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ الْفِعْلُ وَالْآخَرُ أَدَاؤُهُ وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ عَظِيمَةٌ.
ثُمَّ هَذَا الْكَلَامُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبٍ لِأَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ مِنْ شَيَاطِينِ الْقَدَرِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْحَجَّ لَيْسَتْ بِحَرَكَاتٍ وَلَا سُكُونٍ وَهِيَ مَعَانٍ تُقَارِنُ الْحَرَكَاتِ وَالسُّكُونَ حَكَى الْمَذْهَبَ عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْكَعْبِيُّ وَهُوَ مَذْهَبٌ لَمْ يَقْدِرْ أَبُو الْهُذَيْلِ تَصْوِيرَهُ فَضْلًا عَنْ تَحْقِيقِهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ إنَّ الْكَوْنَ مَعْنًى وَرَاءَ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَأَرَادَ تَصْوِيرَهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ مَكَانَ الْقَوْلِ بِجَعْلِ أَصْلِ الْوُجُوبِ غَيْرَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ هُوَ حَرَكَاتٌ وَسَكَنَاتٌ وَالصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ مَعَانٍ وَرَاءَهَا فَيَجِبُ تِلْكَ الْمَعَانِي وَتَشْتَغِلُ الذِّمَّةُ بِهَا ثُمَّ تَحْصُلُ عِنْدَ وُجُودِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ أَوْ بِهَا فَكَانَ التَّحَرُّكُ وَالسُّكُونُ مِنْ الْعَبْدِ أَدَاءً لَهَا وَتَحْصِيلًا لَهَا فَتَحْصُلُ هِيَ بِهَا أَوْ مَعَهَا ثُمَّ مَعَ هَذَا هَذِهِ الْعِبَادَاتُ عِنْدَهُ أَفْعَالٌ لِلْعَبْدِ فَكَذَا عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ أَفْعَالٌ لِلْعَبْدِ وَهِيَ مَعَانٍ وَرَاءَ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ فَيَجِبُ بِالْأَسْبَابِ ثُمَّ بِالْأَمْرِ يَجِبُ الْحَرَكَاتُ وَالسُّكُونُ الَّتِي بِهَا أَوْ مَعَهَا تَحْصُلُ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ الْوَاجِبَةُ فَكَانَتْ الْحَرَكَاتُ وَالسُّكُونُ الَّتِي هِيَ أَغْيَارُهَا وَهِيَ مِنْ قَرَائِنِهَا أَدَاءً لَهَا لِحُصُولِهَا بِحُصُولِ الْحَرَكَاتِ وَالسُّكُونِ.
فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ إنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ هِيَ هَذِهِ الْحَرَكَاتُ وَالسُّكُونُ وَهِيَ بِنَفْسِهَا أَدَاءٌ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ أَصْلَ الْوُجُوبِ غَيْرَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الْأَصْلِ وُجُوبُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَهِيَ بِأَنْفُسِهَا أَدَاءٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَدَاءُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ وُجُوبِ فِعْلٍ مَا مَعَ وُجُوبِهِ مُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ وَذَا لَا يَقُولُهُ مَنْ لَهُ لُبٌّ، قَالَ وَقَوْلُهُمْ إنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الثَّوْبَ إلَى آخِرِهِ كَلَامٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ مَا يَحِلُّ بِالثَّوْبِ مِنْ آثَارِ الْخِيَاطَةِ الَّتِي هِيَ فِعْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute