. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
وَهُوَ مَا يَحْصُلُ فِي الثَّوْبِ مِنْ التَّرَكُّبِ عَلَى صُوَرٍ مَخْصُوصَةٍ فَأَمَّا الْفِعْلُ فَلَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ ذَرِيعَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ بِهَا التَّسْلِيمُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْلِيمُهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ التَّسْلِيمَ وَهُوَ الْفِعْلُ قَائِمٌ بِالْخَيَّاطِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَا يَصِيرُ مُسَلَّمًا بِفِعْلِهِ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ حُصُولُ صِفَةِ التَّرَكُّبِ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ هُوَ غَيْرُ الْفِعْلِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْخِيَاطَةَ فِعْلُ الْخَيَّاطِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّرَكُّبُ الْحَاصِلُ فِي الثَّوْبِ لَيْسَ بِفِعْلٍ لَهُ حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَةِ فِعْلِ الْعَبْدِ فِيمَا وَرَاءَ حَيِّزِهِ بَلْ هُوَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ حُكْمًا لِإِجْرَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَادَةَ بِتَخْلِيقِهِ تِلْكَ الصِّفَةَ فِي الثَّوْبِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْخِيَاطَةِ.
فَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَبِخِلَافِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَدَاءَ الصَّوْمِ لَيْسَ بِغَيْرٍ لِلصَّوْمِ وَالصَّوْمُ فِعْلُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ هُوَ الصَّائِمُ كَمَا أَنَّهُ هُوَ الْمُؤَدِّي فَأَمَّا التَّرَكُّبُ الْحَاصِلُ فِي الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِفِعْلٍ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَرَكِّبٍ بَلْ الْمُتَرَكِّبُ هُوَ الثَّوْبُ وَلَوْ كَانَتْ صِفَةُ التَّرَكُّبِ فِعْلًا لَهُ لَكَانَ هُوَ الْمُتَرَكِّبَ فَدَلَّ أَنَّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ تَفَاوُتًا عَظِيمًا، عَلَى أَنَّ مِنْ سَاعِدِهِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْخِيَاطَةُ يَقُولُ هِيَ الْوَاجِبَةُ بِنَفْسِهَا وَأَدَاؤُهَا نَفْسُهَا لَا غَيْرُهَا وَوُجُوبُهَا بِالْعَقْدِ وُجُوبُ أَدَائِهَا لَا غَيْرُ بِدَلَالَةِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ أَدَاءَ الْفِعْلِ نَفْسُهُ لَا غَيْرُ.
وَقَوْلُهُمْ إنَّ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ أَصْلُ الْوُجُوبِ ثَابِتٌ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ مُنْتَفٍ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَدَاءَ هُوَ نَفْسُ الصَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الشَّيْءِ مَعَ انْتِفَاءِ وُجُوبِهِ مُحَالٌ فَإِذًا لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ أَصْلِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَلْ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ عِنْدَ زَوَالِ الْإِغْمَاءِ بِخِطَابٍ مُبْتَدَأٍ، مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: ١٨٤] ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَرِيضٌ، وَمِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» ، وَالْإِغْمَاءُ مِثْلُ النَّوْمِ.
، قَوْلُهُمْ هَذَا يُسَمَّى قَضَاءً وَلَوْ كَانَ ابْتِدَاءَ فَرْضٍ لَزِمَهُ لَكَانَ أَدَاءً قُلْنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بَلْ هُمَا لَفْظَانِ مُتَوَالِيَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ يُقَالُ قَضَيْت الدَّيْنَ وَأَدَّيْته وَقَضَيْت الصَّلَاةَ وَأَدَّيْتهَا عَلَى أَنَّ الْمُغَايِرَةَ بَيْنَهُمَا تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ دُونَ اقْتِضَاءِ اللُّغَةِ، قَوْلُهُمْ يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْقَضَاءِ قُلْنَا عِنْدَ الْخَصْمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي حَقِّ النِّيَّةِ لَا فِي الصَّوْمِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَنْوِيَ صَوْمًا وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَلَوْلَا الْعُذْرُ وَجَبَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لَهُ شَرْعًا وَبِهَذَا لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الصَّوْمَ أَوْ الصَّلَاةَ كَانَا يَجِبَانِ فِي حَالَةٍ سَقَطَ عَنْ الْإِنْسَانِ أَدَاؤُهُمَا.
وَقَوْلُهُمْ لَوْ مَضَى الْوَقْتُ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ ثُمَّ حَدَثَتْ الْأَهْلِيَّةُ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إلَى آخِرِهِ فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا بِالدَّلِيلِ أَنَّ هَذَا مُحَالٌ وَالِاشْتِغَالُ بِإِثْبَاتِ الْمُسْتَحِيلِ بِمَا يَتَحَايَلُ أَنَّهُ دَلِيلٌ ضَرْبٌ مِنْ السَّفَهِ، عَلَى أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ عَلَى مَنْ مَضَى عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ نَائِمٌ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ مَا كَانَ يُوجِبُهُ فِي الْوَقْتِ لَوْلَا الْعُذْرُ وَفِي بَابِ الصِّبَا وَالْكُفْرِ مَا فَعَلَ هَكَذَا وَالْأَمْرُ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيْحُكُمْ مَا يُرِيدُ.
قَالَ وَلَا نَقُولُ يَتَحَقَّقُ وُجُوبُ أَصْلِ الصَّوْمِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَتَأَخُّرُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُحَالٌ بَلْ نَقُولُ إنَّ هُنَاكَ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّوْمَ عَلَى الْعَبْدِ مُعَلَّقًا بِاخْتِيَارِهِ الْوَقْتَ تَخْفِيفًا مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ وَمَرْحَمَةً عَلَيْهِمْ فَإِنَّ اخْتِيَارَ الْأَدَاءِ فِي الشَّهْرِ كَانَ الصَّوْمُ وَاجِبًا فِيهِ وَإِنْ أَخَّرَ إلَى حَالَتَيْ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ بَلْ كَانَ وَاجِبًا بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute