. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
فِي الْجُمْلَةِ دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ الْمُغَايَرَةِ فِي الْمُعَيَّنِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْمُغَايِرَةُ فَهُوَ الْقَائِلُ بِكَوْنِ الْعَرَضِ الْمَوْجُودِ شَيْئَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَكَوْنِ الْجَوْهَرِ الْمَوْجُودِ شَيْئَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَكَوْنِ الْبَارِي الْمَوْجُودِ الْقَائِمِ بِالذَّاتِ مُتَغَايِرَيْنِ، وَخُرُوجُ هَذَا عَنْ قَضِيَّةِ الْعُقُولِ وَدَلَائِلِ الْحَقِّ وَدُخُولُهُ فِي حَيِّزِ الْمُمْتَنِعِ الْمُحَالِ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي أَظُنُّ فِيهِ الشِّفَاءَ لَنْ يُتَوَصَّلَ إلَيْهِ إلَّا بِمَعْرِفَةِ مُقَدِّمَاتٍ مِنْهَا أَنَّ التَّرْكَ ضِدٌّ لِلْمَتْرُوكِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ بَاشَرَ ضِدًّا لَهَا يُعَاقَبُ عَلَى مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الضِّدِّ الْمَنْهِيِّ لَا لِانْعِدَامِ الصَّلَاةِ مِنْ قِبَلِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُعَاقَبُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ مَنْهِيٍّ بَاشَرَهُ وَمَأْثَمٍ ارْتَكَبَهُ وَمِنْهَا مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَرْكًا لِلْآخَرِ إلَى آخِرِ مَا بَيَّنَّا وَمِنْهَا أَنَّ مَا كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ وَهُوَ بِنَفْسِهِ تَرْكٌ لِلْأَضْدَادِ كُلِّهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ وَصْفُهُ فِي الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَتْرُوكِ كَمَنْ أُمِرَ بِالتَّحَرُّكِ إلَى الْيَمِينِ وَنُهِيَ عَنْ التَّحَرُّكِ إلَى الْيَسَارِ فَتَحَرَّكَ أَمَامَهُ كَانَ هَذَا التَّحَرُّكُ تَرْكًا لِلتَّحَرُّكِ إلَى الْيَمِينِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ وَتَرْكٌ الْوَاجِبِ حَرَامٌ، وَتَرْكًا لِلتَّحَرُّكِ إلَى الْيَسَارِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ وَتَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَاجِبٌ وَهَذَا التَّرْكُ فِعْلٌ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ وُصِفَ بِالْوُجُوبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ضِدٍّ وَبِالْحُرْمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ضِدٍّ آخَرَ.
وَمِنْهَا أَنَّ مَا كَانَ مُتَّحِدًا حَقِيقَةً يَلْحَقُ فِي الْحُكْمِ بِالْمُتَعَدِّدِ لِعَارِضٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ مِنْ مُصَادَفَتِهِ الْمَحَالَّ الْمُتَعَدِّدَةَ أَوْ تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ بِهِ فَإِنَّ الرَّامِيَ إلَى إنْسَانٍ عَامِدًا لَوْ أَصَابَ السَّهْمُ الْمَقْصُودَ إلَيْهِ وَنَفَذَهُ وَأَصَابَ آخَرَ لَمْ يَقْصِدْهُ أُخِذَ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ بِأَحْكَامِ الْعَمْدِ وَفِي حَقِّ الثَّانِي بِأَحْكَامِ الْخَطَإِ وَالْفِعْلُ فِي نَفْسِهِ وَاحِدٌ وَجُعِلَ مُتَعَدِّدًا لِتَعَدُّدِ مَحَالِّ أَثَرِهِ وَاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْعَارِضَ مَعَ الْأَصْلِ إذَا اجْتَمَعَا وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهُمَا وَجَبَ الِاعْتِبَارُ وَيُجْعَلُ الْأَصْلُ مَتْبُوعًا وَالْعَارِضُ تَابِعًا لِاسْتِحَالَةِ الْقَلْبِ وَتَعَذُّرِ التَّسْوِيَةِ وَبَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ نَخُوضُ فِي إيضَاحِ مَا رُمْنَا إيضَاحَهُ فَيَقُولُ الصَّوْمُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تَرْكٌ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَلِإِجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالْقَرَابِينِ الَّتِي هِيَ خَالِصُ أَمْوَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا أَمْوَالٌ خَالِصَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى جُعِلَتْ مَحَالًّا لِإِقَامَةِ التَّقَرُّبِ إلَيَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِإِرَاقَةِ دِمَاءِ الْأَنْعَامِ قَدْ شَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتَهُ بِهَذِهِ الضِّيَافَةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ إجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَالْمُسَارَعَةُ إلَى قَبُولِ إكْرَامِهِ، فَكَانَ الصَّوْمُ تَرْكًا لِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ غَيْرَ أَنَّهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ كَانَ عِبَادَةً مَأْذُونًا فِيهَا لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ الَّتِي بَيَّنَّا وَبِالْإِضَافَةِ إلَى إجَابَةِ الدَّعْوَةِ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فِي حَقِّهَا تَرْكٌ لِلْوَاجِبِ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَهُوَ فِي ذَاتِهِ مُتَّحِدٌ وَهَذِهِ الْأَضْدَادُ مُتَعَدِّدَةٌ بِلَا شَكٍّ فَإِنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِتَصَوُّرِ وُجُودِهَا بِدُونِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ، وَتَغَايُرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ فِي أَنْفُسِهَا مِمَّا لَا يُشْكِلُ فَكَانَ الصَّوْمُ الَّذِي هُوَ مُتَّحِدٌ فِي نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى الْأَضْدَادِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَعَدِّدِ وَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى إجَابَةِ الدَّعْوَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَبِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ عِبَادَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ فَكَانَ النَّهْيُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ رَاجِعًا إلَى الذَّاتِ وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ رَاجِعًا إلَى غَيْرِ مَا هُوَ صَوْمٌ مُسْتَحْسَنٌ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْت مِنْ الْمِثَالِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ.
ثُمَّ إجَابَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute