للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ فَبَقِيَ الْآخَرُ وَحْدَهُ ابْتِدَاءً بِحِصَّتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا هَذَا بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ فَصَارَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ نَظِيرَ الِاسْتِثْنَاءِ،

ــ

[كشف الأسرار]

وَقَوْلُهُ (فَهُوَ بَاطِلٌ) يُوهِمُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ فِي الْقِنِّ أَصْلًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ فِيهِ بِالْقَبْضِ كَمَا فِي الْحُرِّ وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَسْرَارِ وَمَبْسُوطِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَمَبْسُوطِ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ مَالٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا مَجْهُولٌ وَالْجَهَالَةُ تُوجِبُ الْفَسَادَ دُونَ الْبُطْلَانِ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْبَاطِلِ الْفَاسِدِ قَوْلُهُ (فَصَارَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ) أَيْ الْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا نَظِيرَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُرَّ وَالْمَيِّتَ وَالْمَيِّتَةَ وَالْخَمْرَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ أَصْلًا وَإِنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَالْخَلِّ ابْتِدَاءً بِالْحِصَّةِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَإِنَّ الْكَلَامَ صَارَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا وَأَمَّا نَظِيرُ النَّسْخِ فَهُوَ مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ اسْتَحَقَّ أَوْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ بَاعَ جَارِيَتَيْنِ فَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا أُمَّ وَلَدٍ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا وَجَدَ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ قَالَ لِأَنَّ الْإِيجَابَ فِيهِمْ فَاسِدٌ لِمَا ثَبَتَ لَهُمْ مِنْ حَقِّ الْعِتْقِ وَقَدْ جُعِلَ ذَلِكَ شَرْطًا لِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْقِنِّ مِنْهُمَا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ كُلُّهُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحُرِّ.

وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ دُخُولَ الْآدَمِيِّ فِي الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الرِّقِّ وَالتَّقَوُّمِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ بِأَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا وَهُنَاكَ الْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الْآخَرِ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْمُدَبَّرِ لَيْسَ بِفَاسِدٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مِنْ نَفْسِهِ وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ جَائِزٌ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِرِضَاهُ جَازَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَكَذَا بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ نَفْسِهَا جَائِزٌ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْبَيْعِ حَتَّى نَفَذَ قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ وَقَضَاءُ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا يَنْفُذُ عَرَفْنَا أَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ ثُمَّ خَرَجُوا بَعْدَ تَنَاوُلِ الْإِيجَابِ إيَّاهُمْ ضَرُورَةَ عَدَمِ الْحُكْمِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي صِيَانَةً لِحَقِّ الْعِتْقِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بَعْدَ الدُّخُولِ وَبَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا فِي الْآخَرِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِأَمْرٍ عَارِضٍ إذْ الثَّمَنُ كُلُّهُ كَانَ مَعْلُومًا وَقْتَ الْبَيْعِ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ بِأَمْرٍ عَارِضٍ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَمَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ فِي الْهَالِكِ وَيَبْقَى فِي الْحَيِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا هَهُنَا.

(فَإِنْ قِيلَ) مَا الْفَائِدَةُ فِي دُخُولِهِمْ ثُمَّ خُرُوجِهِمْ (قُلْنَا) الْفَائِدَةُ تَصْحِيحُ كَلَامِ الْعَاقِلِ مَعَ رِعَايَةِ حَقِّهِمْ وَانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْآخَرِ قَوْلُهُ (وَنَظِيرُ دَلِيلِ الْخُصُوصِ مَسْأَلَةُ خِيَارِ الشَّرْطِ) إضَافَةُ الْخِيَارِ إلَى الشَّرْطِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ كَزَكَاةِ الْمَالِ وَحَجِّ الْبَيْتِ أَيْ الْخِيَارِ الَّذِي يَثْبُتُ بِسَبَبِ الشَّرْطِ وَيُقَالُ شَرْطُ الْخِيَارِ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى مُسَبِّبِهِ كَمَالِ الزَّكَاةِ وَوَقْتِ الصَّلَاةِ أَيْ الشَّرْطِ الَّذِي يُوجِبُ الْخِيَارَ وَيُثْبِتُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَلَا يَمْنَعُ السَّبَبَ عَنْ الِانْعِقَادِ بِخِلَافِ سَائِرِ الشُّرُوطِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ السَّبَبَ وَالْحُكْمَ جَمِيعًا عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إنَّهُ يُشْبِهُ دَلِيلَ الْخُصُوصِ لِاجْتِمَاعِ شَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ وَشَبَهِ النَّسْخِ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>