وَإِذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ اُسْتُحِقَّ أَوْ وُجِدَ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ الْآخَرَ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْحُكْمُ صِيَانَةً لِحَقِّهِمَا فَصَارَ الْآخَرُ بَاقِيًا فِي الْعَقْدِ بِحِصَّتِهِ فَصَارَ هَذَا مِنْ قِسْمِ دَلِيلِ النَّسْخِ، وَنَظِيرُ دَلِيلِ الْخُصُوصِ مَسْأَلَةُ خِيَارِ الشَّرْطِ قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ فِي رَجُلٍ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا إنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَيُسَمِّيَ ثَمَنَهُ
ــ
[كشف الأسرار]
كَاجْتِمَاعِهِمَا فِي دَلِيلِ الْخُصُوصِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْنَعُ الْحُكْمَ عَنْ الثُّبُوتِ أَصْلًا كَانَ شَبِيهًا بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْحُكْمِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَمْنَعُ السَّبَبَ عَنْ الِانْعِقَادِ بَلْ يَرْفَعُهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِالْفَسْخِ كَانَ نَظِيرًا لِلنَّاسِخِ فِي حَقِّ السَّبَبِ فَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْجِهَتَانِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِمَا فِي الْمَسَائِلِ كَمَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِشَبَهَيْ دَلِيلِ الْخُصُوصِ فِي الْعَامِّ.
قَوْلُهُ (إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ لَا يُعَيَّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَلَا يُفَصِّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْت هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ إمَّا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَزِمَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ ابْتِدَاءً وَإِمَّا لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ لَوْ ثَبَتَ فِي الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ يَثْبُتُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ابْتِدَاءً لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ إلَّا أَحَدَهُمَا بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ إذَا قُسِّمَ عَلَى قِيمَتِهِمَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَذَا هَذَا.
وَالثَّانِي أَنْ يُفَصِّلَ الثَّمَنَ وَلَا يُعَيَّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ بِأَنْ قَالَ بِعْتهمَا بِأَلْفٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُ فِيمَا لَا خِيَارَ فِيهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُ الْبَيْعِ فِيهِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْت هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ إلَّا أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَالثَّالِثُ أَنْ يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَلَا يُفَصِّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْتهمَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي هَذَا بِعْته ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَحُكْمُهُ الْفَسَادُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتهمَا بِأَلْفٍ إلَّا هَذَا بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ فَيَبْقَى ثَمَنُ الثَّانِي مَجْهُولًا كَذَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ وَلَوْ فَسَخَ فِي أَحَدِهِمَا تَبْقَى فِي الْآخَرِ عَلَى الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا مُنْعَقِدٌ إذْ الْإِيجَابُ تَنَاوَلَهُمَا جَمِيعًا وَهُمَا مَحَلَّانِ لِلْبَيْعِ وَالتَّسْمِيَةُ صَحَّتْ جُمْلَةً إلَّا أَنَّ الْخِيَارَ عَارَضَ الْعَقْدَ فِي الْحُكْمِ فَمَنَعَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي أَحَدِهِمَا فَعَمِلَ الْإِيجَابُ فِي الْآخَرِ وَوَجَبَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ تَسْمِيَةُ جُمْلَةِ الثَّمَنِ فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ عَارِضَةً فَلَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ كَمَا فِي الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ صَاحِبَ الْكِتَابِ أَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ فَقَالَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْخِيَارَ وَإِنْ دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ لَكِنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَنْعَقِدُ لِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الْعَقْدِ انْعَدَمَ فِي الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ بِنَصٍّ قَائِمٍ وَهُوَ الْخِيَارُ وَذَلِكَ النَّصُّ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَأَوْجَبَ إعْدَامَ الْحُكْمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ الْإِيجَابُ قَاصِرًا عَنْهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا لِضَرُورَةٍ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ فَجُعِلَ الْإِيجَابُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَمَا فِي بَيْعِ الْحُرِّ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَبْقَى الْإِيجَابُ فِي حَقِّ الْآخَرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ مَعَ الْقِنِّ لِأَنَّ الْإِيجَابَ تَنَاوَلَهُمَا وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْحُكْمُ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ حَقِّهِ لَا بِنَصٍّ قَائِمٍ مَنَعَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِيهِ.
وَمَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَبَقِيَ الْإِيجَابُ مُتَنَاوِلًا لَهُ فِيمَا وَرَاءَ هَذِهِ الضَّرُورَةِ وَذَكَرَ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْقِنِّ وَبَيْنَ هَذَا الْفَصْلِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ دَاخِلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute