فَأَمَّا إذَا أَجْمَلَ الثَّمَنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ أَوْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُعَيِّنْ الْآخَرَ لَمْ يَجْرِ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي الْإِيجَابِ وَيَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي الْحُكْمِ فَصَارَ فِي السَّبَبِ نَظِيرُ دَلِيلِ النَّسْخِ وَفِي الْحُكْمِ نَظِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ
ــ
[كشف الأسرار]
فِي الْعَقْدِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ قَابِلٌ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا ذَكَرْنَا وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَمَا دَخَلَ فَتَصِيرُ الْجَهَالَةُ حَادِثَةً فِي الزَّمَانِ الثَّانِي فَلَا تَمْنَعُ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْجَهَالَةُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَثْبُتْ فِي الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَمْنَعُ صِحَّةً وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي الْعَقْدِ أَصْلًا لِأَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ السَّبَبَ إلَّا أَنَّ الْقِيَاسَ تُرِكَ لِمَا عُرِفَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَانِعَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُقْتَرِنٌ بِالْعَقْدِ لَفْظًا وَمَعْنًى فَأَثَّرَ الْمُفْسِدُ، وَفِي بَيْعِ الْقِنِّ مَعَ الْمُدَبَّرِ الْمَانِعُ مُقْتَرِنٌ بِالْعَقْدِ مَعْنًى لَا لَفْظًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ الْمُفْسِدُ وَإِلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ فَأَمَّا إذَا أَجْمَلَ الثَّمَنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارَ أَوْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا يَعْنِي الثَّمَنَ أَوْ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْآخَرَ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يُعَيِّنَ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَيُفَصِّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كُلَّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَيَلْزَمُ فِي الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ بِمَا سُمِّيَ مِنْ الثَّمَنِ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ بِالْكُلِّيَّةِ.
ثُمَّ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ عَمِلْنَا بِشَبَهِ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَمْ نُجَوِّزْ الْبَيْعَ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْيِينِ وَإِعْلَامِ الْحِصَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ عَمِلْنَا بِشَبَهِ النَّاسِخِ فَجَوَّزْنَا الْبَيْعَ وَلَمْ نَجْعَلْ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الَّذِي جُعِلَ فِيهِ الْخِيَارُ شَرْطًا فَاسِدًا فِي الَّذِي لَزِمَ الْعَقْدُ فِيهِ كَمَا جَعَلْنَاهُ فِي بَيْعِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ عِنْدَ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهُ هُنَاكَ شَرْطًا فَاسِدًا لِأَنَّ الْحُرَّ وَمَا شَاكَلَهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ أَصْلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ فِيهِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ قَبُولِ غَيْرِ الْمَبِيعِ لِلِانْعِقَادِ فِي الْمَبِيعِ فَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا فَأَمَّا الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ فَدَاخِلٌ تَحْتَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي السَّبَبِ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّهِ فَكَانَ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ فِيهِ اشْتِرَاطُهُ فِي الْمَبِيعِ لَا فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ فَكَانَ شَرْطًا صَحِيحًا لَا فَاسِدًا فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ (فَإِنْ قِيلَ) فَهَلَّا عَمِلْتُمْ بِالشَّبَهَيْنِ جَمِيعًا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ كَمَا فَعَلْتُمْ فِي دَلِيلِ الْخُصُوصِ وَالْعَمَلِ بِشَبَهِ النَّاسِخِ يُوجِبُ جَوَازَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ مَعْلُومًا وَالثَّمَنُ مُفَصَّلًا (قُلْنَا) لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا لَا يُمْكِنُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ أَمَّا فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِ شَرْطِ الْخِيَارِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ فِي الْعَبْدَيْنِ لِأَنَّ دَلِيلَ النَّسْخِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا سَقَطَ بِنَفْسِهِ وَإِذَا سَقَطَ شَرْطُ الْخِيَارِ هَهُنَا لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا لَزِمَ الْعَقْدُ فِي الْعَبْدَيْنِ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْخِيَارُ أَصْلًا وَهَذَا خِلَافُ مَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّا لَوْ عَمِلْنَا بِهِمَا فَالْجَوَابُ لَا يَخْتَلِفُ أَيْضًا لِأَنَّ شَبَهَ الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ وَشَبَهَ النَّسْخِ يُوجِبُ انْعِقَادَهُ فِي الْعَبْدَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ مُنْعَقِدًا فَلَا يَنْعَقِدُ بِالشَّكِّ.
وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَمَلَ بِشَبَهِ النَّسْخِ فِيهِ يُوجِبُ لُزُومَ الْعَقْدِ فِي الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ وَكَوْنُ الْجَهَالَةِ فِي الثَّمَنِ طَارِئَةً غَيْرَ مَانِعَةٍ كَمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ الْفَسَادَ فَلَا يَثْبُتُ الْجَوَازُ بِالشَّكِّ أَيْضًا وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ فَشَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ الْجَوَازَ أَيْضًا لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مَعْلُومٌ كَمَا أَنَّ شَبَهَ النَّسْخِ يُوجِبُ ذَلِكَ فَكَانَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ فِيهِ عَمَلٌ بِالشَّبَهَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ حَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ شَبَّهَ أَوَّلًا خِيَارَ الشَّرْطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute