للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِثَالُهُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُ طَالِقٌ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ لَامَ الْمَعْرِفَةِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا ثُمَّ تُعَاوِدَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْهُودًا قَالَ اللَّهُ {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: ١٥] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: ١٦] أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فَيَكُونُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ وَمِثَالُهُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا فِيمَنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُقَيَّدًا بِصِلَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ كَذَلِكَ أَنَّ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَكِرَةً كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَتَّحِدَ الْمَجْلِسُ فَيَصِيرُ دَلَالَةً عَلَى مَعْنَى الْعَهْدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ لِدَلَالَةِ الْعَادَةِ عَلَى مَعْنَى الْعَهْدِ

ــ

[كشف الأسرار]

لَمْ يَتَّضِحْ لِي حَقِيقَةُ مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا غَرْوَ إذْ هُوَ كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَعْلَى طَبَقَاتِ أَهْلِ التَّحْقِيقِ. مُتَغَلْغِلًا فِي مَضَايِقِ مَسَالِكِ التَّدْقِيقِ. فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ الْعُثُورِ عَلَى مَقْصُودِهِ وَمَرَامِهِ وَالْوُقُوفِ عَلَى حَقَائِقِ نُكَتِهِ وَأَسْرَارِ كَلَامِهِ. فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا قَوْلَ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (قَوْلُ عُلَمَائِنَا) أَيْ مِثَالُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّكِرَةَ تَصِيرُ لِلْجِنْسِ بِدُخُولِ اللَّامِ قَوْلُ عُلَمَائِنَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُ طَالِقٌ وَقَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَهُ أَنَّهَا تَطْلُقُ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَاخْتِصَارٌ كَمَا تَرَى. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عُلَمَائِنَا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا تَطْلُقُ عَلَى مَا عُرِفَ.

وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّامَ فِي قخوله الْمَرْأَةُ لِلْجِنْسِ لَا لِلْعَهْدِ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى وَهِيَ الْوَاحِدَةُ ثُمَّ هِيَ مَجْهُولَةٌ مُنَكَّرَةٌ إذْ اللَّامُ لَيْسَتْ لِتَعْرِيفِهَا وَلَا يَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى مَجْهُولَةٍ إلَّا أَنَّهَا قَدْ تَتَعَيَّنُ وَيَتَعَرَّفُ بِالْوَصْفِ وَقَدْ وَصَفَ بِالتَّزَوُّجِ فَيَتَعَيَّنُ بِهَذَا الْوَصْفِ فَكَانَ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعَيُّنُ الَّذِي لَا بُدَّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْهُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ لِتَوَقُّفِ صَيْرُورَتِهَا مَعْلُومَةً عَلَيْهِ وَهُوَ يَصْلُحُ شَرْطًا لِمَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى التَّزَوُّجِ وَهُوَ وَصْفٌ عَامٌّ فَيَتَعَمَّمُ الْحُكْمُ بِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ. بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا حَيْثُ لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِأَبْلَغِ جِهَاتِ التَّعْرِيفِ فَلَا يَحْصُلُ بِالْوَصْفِ تَعْرِيفٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ بَلْ يَكُونُ مُجَرَّدُ وَصْفٍ فَبَقِيَ إيقَاعُهَا لِلْحَالِ فَبَطَلَ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ الْعَبْدُ الَّذِي أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَعْتِقُ وَلَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَعْتِقُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَدْخُلُ مِنْكُنَّ الدَّارَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ تَطْلُقُ وَلَا تَطْلُقُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ دَخَلَتْ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ.

وَأَصْلُ ذَلِكَ أَيْ أَصْلُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّكِرَةَ بِدُخُولِ اللَّامِ تَصِيرُ لِلْجِنْسِ. وَمِثَالُهُ أَيْ مِثَالُ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا ثُمَّ تُعَاوِدَهُ. إذَا أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُقَيَّدٍ بِصَكٍّ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ كَذَلِكَ أَيْ مُقَيَّدًا بِذَلِكَ الصَّكِّ بِأَنْ أَدَارَ صَكًّا عَلَى الشُّهُودِ وَأَقَرَّ بِمَا فِيهِ عِنْدَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ كَانَ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْأَلْفُ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الْإِقْرَارَيْنِ نَكِرَةً أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِصَكٍّ بِأَنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُطْلَقًا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُطْلَقًا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ وَالْمَجْلِسُ وَاحِدٌ كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الْمَجْلِسُ مُخْتَلِفًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ حَتَّى يَلْزَمَهُ أَلْفَانِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ فِي تَكْرَارِ الْإِقْرَارِ لِتَأْكِيدِ الْحَقِّ بِالزِّيَادَةِ فِي الشُّهُودِ فَيَكُونُ الثَّانِي تَكْرَارًا لِلْأَوَّلِ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِالشَّكِّ وَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ ثَانِيًا بِأَلْفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ وَأَشْهَدَ وَاحِدًا ثُمَّ بِأَلْفٍ وَأَشْهَدَ آخَرَ وَكَرَّرَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَكْرَارٌ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُنَكَّرٌ مَرَّتَيْنِ وَالنَّكِرَةُ إذَا كُرِّرَتْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى فَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَتَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ صَكًّا عَلَى حِدَةٍ وَأَشْهَدَ عَلَى كُلِّ صَكٍّ شَاهِدَيْنِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَشْهَدَ عَلَى كُلِّ إقْرَارٍ شَاهِدًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لَا يَصِيرُ الْمَالُ مُسْتَحْكَمًا فَفَائِدَةُ إعَادَتِهِ اسْتِحْكَامُ الْمَالِ بِإِتْمَامِ الْحُجَّةِ. وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ثَانِيًا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْإِعَادَةِ إسْقَاطُ مُؤْنَةِ الْإِثْبَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>