للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدَنَا بَلْ هَذَا تَكْرِيرٌ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى - ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: ٣٤ - ٣٥]

ــ

[كشف الأسرار]

الْعَبِيدَ فَتَزَوَّجَ غَيْرَهُنَّ أَوْ اشْتَرَطَ غَيْرَهُمْ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي كِتَابِ بَيَانِ تَحْقِيقِ حُرُوفِ الْمَعَانِي ثُمَّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٥] إنَّمَا أُدْخِلَتْ الْفَاءُ فِي الْأَوَّلِ جَوَابًا لِتَعْيِيرِ الْمُشْرِكِينَ إيَّاهُ بِالْفَقْرِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُومِنِينَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ.

قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأُولَى عِدَةً بِأَنَّ الْعُسْرَ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ مَرْدُودٌ بِيُسْرٍ لَا مَحَالَةَ وَالثَّانِيَةُ عِدَةٌ بِأَنَّ الْعُسْرَ مَتْبُوعٌ بِيُسْرٍ فَهُمَا يُسْرَانِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِئْنَافِ وَإِنَّمَا كَانَ الْعُسْرُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفُهُ لِلْعَهْدِ وَهُوَ الْعُسْرُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فَهُوَ هُوَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ زَيْدٍ فِي قَوْلِك إنَّ مَعَ زَيْدٍ مَالًا إنَّ مَعَ زَيْدٍ مَالًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ الَّذِي يَعْلَمُهُ كُلُّ وَاحِدٍ فَهُوَ هُوَ أَيْضًا وَإِمَّا الْيُسْرُ فَمُنَكَّرٌ مُتَنَاوِلٌ لِبَعْضِ الْجِنْسِ فَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي مُسْتَأْنَفًا غَيْرَ مُكَرَّرٍ فَقَدْ تَنَاوَلَ بَعْضًا غَيْرَ الْبَعْضِ الْأَوَّلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْيُسْرَيْنِ مَا تَيَسَّرَ لَهُمْ مِنْ الْفُتُوحِ فِي أَيَّامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا تَيَسَّرَ لَهُمْ فِي أَيَّامِ الْخُلَفَاءِ. وَأَنْ يُرَادَ يُسْرُ الدُّنْيَا وَيُسْرُ الْآخِرَةِ. وَالتَّنْكِيرُ فِي " يُسْرًا " لِلتَّفْخِيمِ كَأَنَّهُ قِيلَ إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا عَظِيمًا وَأَيُّ يُسْرٍ. وَعَنْ الْعُتْبِيِّ أَوْ الْقُتَبِيِّ قَالَ كُنْت يَوْمًا مَغْمُومًا بِالْبَادِيَةِ فَأُلْقِيَ فِي رَوْعِي قَوْلُ مَنْ قَالَ:

أَرَى الْمَوْتَ لِمَنْ أَصْبَحَ مَغْمُومًا لَهُ رُوحٌ

فَسَمِعْت بِاللَّيْلِ هَاتِفًا مِنْ السَّمَاءِ يَقُولُ:

أَلَا يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ الَّذِي الْهَمُّ بِهِ بَرَّحْ ... وَقَدْ أَنْشَدْت بَيْتًا لَمْ تَزَلْ فِي فِكْرِهِ تَسْبَحْ

إذَا اشْتَدَّتْ بِك الْعُسْرَى فَفَكِّرْ فِي أَلَمْ نَشْرَحْ ... فَعُسْرٌ بَيْنَ يُسْرَيْنِ إذَا فُكِّرْتَهَا فَافْرَحْ

قَالَ فَحَفِظْت الْأَبْيَاتَ وَفَرَّجَ اللَّهُ غَمِّي

وَقَالَ آخَرُ:

تَوَقَّعْ إذَا مَا عَرَتْكَ الْهُمُومُ ... سُرُورًا يُشَرِّدُهَا عَنْكَ قَسْرَا

تَرَى اللَّهَ يُخْلِفُ مِيعَادَهُ ... وَقَدْ قَالَ إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَا

قَوْلُهُ (وَفِيهِ نَظَرٌ) ذَكَرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مَعْنَاهُ أَنَّ فِي الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ إذَا أُعِيدَتْ مُعَرَّفَةً كَانَتْ الثَّانِيَةُ عَيْنَ الْأُولَى وَالنَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى نَظَرًا فَإِنَّهُ قَدْ يَنْعَكِسُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى. {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: ٤٨] . الْكِتَابُ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ وَإِنْ ذُكِرَا مُعَرَّفَيْنِ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ. {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: ٥٤] . الضَّعْفُ الثَّانِي عَيْنُ الْأَوَّلِ وَإِنْ ذُكِرَا مُنَكَّرَيْنِ وَكَذَا الْقُوَّةُ الثَّانِيَةُ عَيْنُ الْأُولَى وَإِنْ ذُكِرَتَا مُنَكَّرَتَيْنِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَاجِعٍ إلَى هَذَا الْأَصْلِ فَإِنَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ كَذَا ذُكِرَ فِي التَّيْسِيرِ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ يَعْنِي وَثَبَتَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ يَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ وَيَكُونُ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ " ح " مَذْكُورَةً عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَافِ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الشَّيْخِ أَنَّهَا مَذْكُورَةٌ عَلَى وَجْهِ التَّكْرِيرِ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى لِتَقْرِيرِ مَعْنَاهَا فِي النُّفُوسِ وَيُمْكِنُهَا فِي الْقُلُوبِ كَمَا كَرَّرَ قَوْله تَعَالَى. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: ١٥] . {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى - ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: ٣٤ - ٣٥] .

وَكَمَا يُكَرَّرُ الْمُفْرَدُ فِي قَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ زَيْدٌ وَعَلِيٌّ هَذَا التَّقْدِيرُ لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى النَّظَرِ. ثُمَّ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ قَدْ يُتْرَكُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِ كَمَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ التَّعَذُّرُ هَهُنَا فِيمَا ذُكِرَ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ لَمَّا وُصِفَ بِقَوْلِهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ الْكِتَابَ الثَّانِي بَيَانًا. لِمَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ قُوَّةِ الشَّبَابِ قُوَّةٌ أُخْرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>