للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبُوهُ فَإِنَّهُمْ يَعْتِقُونَ وَلَمْ يَقُلْ ضَرَبُوك فَثَبَتَ أَنَّهَا كَلِمَةُ فَرْدٍ لَكِنَّهَا مَتَى وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ عَمَّتْ بِعُمُومِهَا كَسَائِرِ النَّكِرَاتِ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ وَإِذَا قَالَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَقَدْ وَصَفَهَا بِالضَّرْبِ وَصَارَتْ عَامَّةً وَإِذَا قَالَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته فَقَدْ انْقَطَعَ الْوَصْفُ عَنْهَا فَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا وَاحِدٌ

ــ

[كشف الأسرار]

إنَّ أَيًّا نَكِرَةٌ وَالْمُضَافَ إلَيْهِ مَعْرِفَةٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ الْفِعْلُ مُوَافِقًا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ فَلِهَذَا يُقَالُ أَيُّ رَجُلٍ قَامَ وَأَيُّ رَجُلَيْنِ قَامَا وَأَيُّ رِجَالٍ قَامُوا. وَمَا ذَكَرْنَا هُوَ الَّذِي جَوَّزَ إضَافَتَهُ إلَى النَّكِرَةِ الْمُفْرَدَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفْهَمَ عَنْهُ كَمَا يَكُونُ غَيْرَ مُفْرَدٍ يَكُونُ أَيْضًا مُفْرَدًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي التَّخْمِيرِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ كَلِمَةُ أَيٍّ إنْ بَقِيَتْ نَكِرَةً بَعْدَ الْإِضَافَةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ هَذَا التَّقْرِيرُ كَانَ قَوْلُ الشَّيْخِ هِيَ نَكِرَةٌ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ وَحَقِيقَتَهُ وَإِنْ صَارَتْ مُعَرَّفَةً بِالْإِضَافَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ أَهْلِ النَّحْوِ وَكَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الصِّحَاحِ، وَلِهَذَا يَصْلُحُ مُبْتَدَأً وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْرِفَةً، كَانَ قَوْلُهُ وَهِيَ نَكِرَةٌ مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ تَعَرَّفَتْ صُورَةً بَقِيَتْ الْجَهَالَةُ فِيهَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِتَنَاوُلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ عَلَى الْبَدَلِ، وَلِهَذَا صَحَّ الِاسْتِفْهَامُ بِهَا بَعْدَ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَعْرِفَةِ فَكَانَتْ نَكِرَةً مَعْنًى. يُوَضِّحُهُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي التَّقْوِيمِ وَأَمَّا كَلِمَةُ أَيٍّ فَبِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا تَصْحَبُ النَّكِرَةَ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى لِاسْتِحْضَارِهَا تَقُولُ أَيُّ رَجُلٍ فَعَلَ كَذَا وَأَيُّ دَارٍ تُرِيدُهَا وَالنَّكِرَةُ مَعْنًى قَوْله تَعَالَى. {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: ٣٨] .

وَهِيَ نَكِرَةٌ مَعْنًى يَعْنِي أَيُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ. وَكَذَا قَوْلُهُ يُرَادُ بِهَا جَزْءُ مَا تُضَافُ إلَيْهِ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ إنْ كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْرِفَةً فَأَمَّا الْمُضَافُ إلَيْهِ إذَا كَانَ نَكِرَةً فَلَا بُدَّ لَهُ مَنْ تَأْوِيلٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا " ح " كُلُّ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ عَنْ الْكُلِّ لَا عَنْ الْجُزْءِ. وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ إذَا كَانَ نَكِرَةً لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْ جُمْلَةٍ فَكَانَ أَيْ مَعَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ جُزْءًا مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ.

وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ فِي قَوْلِهِ أَيُّ رِجَالٍ قَامُوا قَدَّرَ فِي نَفْسِهِ أَعْدَادًا مِمَّا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ رِجَالٍ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَعْدَادِ مَوْصُوفٌ بِالْقِيَامِ فَاسْتَفْهَمَ عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّقْدِيرُ لَمَا صَحَّ الِاسْتِفْهَامُ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ أَيُّ رَجُلٍ مِنْ الرِّجَالِ قَامُوا فَصَارَ فِي التَّحْقِيقِ مُضَافًا إلَى الرِّجَالِ بِوَاسِطَةِ رِجَالٍ فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ جُزْءًا مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ جَمْعٌ لَا فَرْدٌ.

قَوْلُهُ (أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك) إلَى آخِرِهِ. كَلِمَةُ أَيٍّ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَعَقَّبَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ فِعْلٌ كَمَا فِي كُلٍّ؛ لِأَنَّهَا لِلُزُومِ إضَافَتِهَا لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى الِاسْمِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ شَرْطًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَلِيَهُ فِعْلٌ يَكُونُ هُوَ شَرْطًا فِي الْحَقِيقَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مُسْنَدًا إلَى خَاصٍّ لَا يَصْلُحُ وَصْفًا لِأَيٍّ عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخُصُوصُ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا وَاحِدًا.

وَإِنْ كَانَ مُسْنَدًا إلَى ضَمِيرٍ رَاجِعٍ إلَى أَيٍّ حَتَّى صَلَحَ وَصْفًا لَهُ يَعُمُّ بِعُمُومِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَفِي قَوْلِهِ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَهُوَ حُرٌّ الْفِعْلُ مُسْنَدٌ إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى أَيٍّ فَيَصِيرُ وَصْفًا لَهُ فَيَعُمُّ بِعُمُومِهِ كَمَا يَعُمُّ فِي قَوْلِهِ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا وَقَوْلُهُ مَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي فَإِنْ ضَرَبُوهُ جَمِيعًا مَعًا أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ عَتَقُوا. وَإِذَا قَالَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَقَدْ أَسْنَدَ الضَّرْبَ إلَى خَاصٍّ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِأَيٍّ فَبَقِيَ عَلَى الْخُصُوصِ كَمَا كَانَ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ تَعْمِيمَهُ فَإِذَا ضَرَبَهُمْ عَلَى التَّرْتِيبِ عَتَقَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ وَإِنْ ضَرَبَهُمْ جُمْلَةً عَتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى لَا إلَى الضَّارِبِ؛ لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ التَّعْيِينُ إلَيْهِ. وَلَا يُقَالُ قَدْ صَارَ أَيُّ مَوْصُوفًا بالمضروبية؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْمَنْصُوبَ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيَصِيرُ عَامًّا بِهَذَا الْوَصْفِ كَمَا عَمَّ الْمُسْتَثْنَى فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا إلَّا يَوْمًا فِيهِ وَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>