فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ إلَى الثَّلَاثَةِ وَالطَّائِفَةُ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ إلَى الْوَاحِدِ بِخِلَافِ الرَّهْطِ وَالْقَوْمِ وَصَارَ مُقَيَّدًا بِالْمِلْكِ لِاقْتِضَاءِ التَّحْرِيرِ وَالْمِلْكَ لَا عَلَى جِهَةِ الْخُصُوصِ وَلَمْ يَتَنَاوَلُ الزَّمِنَةَ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ اسْمٌ لِلْبِنْيَةِ مُطْلَقًا فَوَقَعَتْ عَلَى الْكَامِلِ مِنْهُ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ مُطْلَقٌ فَلِمَنْ يَتَنَاوَلُ مَا هُوَ هَالِكٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ التَّحْرِيرُ الْمُطْلَقُ لَا يَخْلُصُ فِيمَا هُوَ هَالِكٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَدْخُلْ الزَّمِنُ.
فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا فَلَا
ــ
[كشف الأسرار]
بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ فِي شَيْءٍ.
قَوْلُهُ (وَصَارَ) أَيْ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الرَّقَبَةُ مُقَيَّدًا بِالْمِلْكِ جَوَابُ سُؤَالٍ آخَرَ وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ إنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ نَسْخٌ عِنْدَكُمْ وَقَدْ قُيِّدَتْ الرَّقَبَةَ بِالْمِلْكِ بِالرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ يُوجِبُهُ حَتَّى لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ وَصَارَ كَأَنَّهُ قِيلَ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مَمْلُوكَةٍ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ النَّسْخُ فَنُقَيِّدُهَا بِوَصْفِ الْإِيمَانِ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ وَالْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» فَقَالَ اشْتِرَاطُ الْمِلْكَ فِي الرَّقَبَةِ ثَبَتَ لِضَرُورَةِ التَّحْرِيرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَاقْتِضَائِهِ فَإِنَّ التَّحْرِيرَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَمَا ثَبَتَ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِعَيْنِ النَّصِّ وَالثَّانِي أَنْ يُقَالَ قَدْ خَصَّ غَيْرَ الْمَمْلُوكَةِ مِنْ هَذَا النَّصِّ كَمَا خُصَّتْ الزَّمِنَةُ حَتَّى لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ كَمَا لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُ الزَّمِنَةِ وَالتَّخْصِيصُ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ فَقَالَ اشْتِرَاطُ الْمِلْكِ ثَبَتَ بِاقْتِضَاءِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيرَ الْوَاجِبَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالْمِلْكِ كَمَا لَا يَتَأَدَّى الصَّلَاةُ إلَّا بِالطَّهَارَةِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
«لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» لَا بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْعُمُومُ.
قَوْلُهُ (وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الزَّمِنَةَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ خُصَّتْ الزَّمِنَةُ بِالْإِجْمَاعِ فَتَخُصُّ الْكَافِرَةَ أَيْضًا فَقَالَ التَّخْصِيصُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تَنَاوَلَ اللَّفْظُ إيَّاهُ ظَاهِرًا لَوْلَا الْمُخَصِّصُ وَهَذَا النَّصُّ لَا يَتَنَاوَلُ الزَّمِنَةَ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ جَوَازِ إعْتَاقِهَا مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ بَلْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرَقَبَةٍ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ اسْمٌ لِلْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي الْكَمَالَ وَالزَّمِنَةُ قَائِمَةٌ مَنْ وَجْهٍ مُسْتَهْلَكَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تَكُونُ قَائِمَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ اسْمِ الرَّقَبَةِ وَكَذَلِكَ التَّحْرِيرُ الْمُطْلَقُ أَيْ الْكَامِلُ لَا يَخْلُصُ أَيْ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا هُوَ هَالِكٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَتَنَاوَلُ الزَّمِنَ، وَلِهَذَا شَرَطَ كَمَالَ الرِّقِّ حَتَّى لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيرَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ إعْتَاقٌ كَامِلٌ ابْتِدَاءً وَإِعْتَاقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ تَعْجِيلٌ لِمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لَهُمَا مُؤَجَّلًا فَلَا يَكُونُ إعْتَاقًا مُبْتَدَأً مُطْلَقًا كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِالْآيَةِ فَهُوَ أَنَّ الْعُمُومَ ثَبَتَ فِي قَوْلِهِ لِشَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى لَا مِنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي قُدْرَتِهِ جَلَّ جَلَالُهُ فَإِذَا أَخْبَرَ عَنْ نُفُوذِ قُدْرَتِهِ فِي بَعَضِهَا فَقَدْ دَلَّ بِالْمَعْنَى عَلَى نُفُوذِ قُدْرَتِهِ فِي سَائِرِهَا وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الْعُمُومِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ أَنَّ عِنْوَانَهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَنْ الْجُمْلَةِ يَكُونُ فِي الصَّلَاحِيَةِ بَدَلًا عَنْ صَاحِبِهِ وَالدَّاخِلُ تَحْتَ اللَّفْظِ وَاحِدٌ مِنْهَا فَهُوَ مَذْهَبُنَا وَأَنَّ عُنْوَانَهُ أَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ وَالشُّمُولِ فَهُوَ فَاسِدٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الصِّيغَةَ وُضِعَتْ لِفَرْدٍ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْعَدَدَ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَأَمَّا تَمَسُّكُهُمْ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَضَعِيفٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ إنْ صَحَّ اسْتِثْنَاءٌ حَقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ مَنْ أَنْ يَكُونَ صَدْرُ الْكَلَامِ مُتَنَاوِلًا لِلْمُسْتَثْنَى وَغَيْرِهِ حَقِيقَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الْوَاحِدَ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى لَكِنْ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ أَوْ يَكُونُ هَذَا اسْتِثْنَاءً مِنْ الْأَحْوَالِ أَيْ أَعْتِقْ رَقَبَةً وَاحِدَةً عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَتْ إلَّا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ وَحِينَئِذٍ نُثْبِتُ الْأَحْوَالَ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ بِدَلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِضَرُورَةِ صِحَّتِهِ فَأَمَّا إذَا عُدِمَ الِاسْتِثْنَاءُ بِلَا ضَرُورَةٍ فِي إثْبَاتِهَا مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فَلَا يَثْبُتُ الْعُمُومُ
قَوْلُهُ (وَصَارَ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْخُصُوصُ) أَيْ التَّخْصِيصُ نَوْعَيْنِ بِالْيَاءِ لَا بِالْأَلِفِ كَمَا وَقَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute