نَوْعَانِ الْوَاحِدُ فِيمَا هُوَ فَرْدٌ بِصِيغَتِهِ أَوْ مُلْحَقٌ بِالْفَرْدِ وَأَمَّا الْفَرْدُ فَمِثْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْإِنْسَانِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إنَّ الْخُصُوصَ يَصِحُّ إلَى أَنْ يُبْقِيَ الْوَاحِدَ وَأَمَّا الْفَرْدُ بِمَعْنَاهُ فَمِثْلُ قَوْلِهِ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَلَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَنَّهُ يَصِحُّ الْخُصُوصُ حَتَّى يَبْقَى الْوَاحِدُ وَأَمَّا مَا كَانَ جَمْعًا صِيغَةً وَمَعْنًى مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ اشْتَرَيْت عَبِيدًا أَوْ إنْ تَزَوَّجْت نِسَاءً أَوْ إنْ اشْتَرَيْت ثِيَابًا
ــ
[كشف الأسرار]
فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهَهُنَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا بَيَانُ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ جَوَازُ التَّخْصِيصِ وَالثَّانِيَةُ بَيَانُ أَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْعَامُّ.
أَمَّا الْأُولَى فَنَقُولُ قَدْ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْغَايَةِ الَّتِي يَقَعُ انْتِهَاءُ التَّخْصِيصِ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ إلَيْهَا فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ إلَى التَّخْصِيصِ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ إلَى الْوَاحِدِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى الثَّلَاثَةِ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ وَلَا يَجُوزُ إلَى مَا دُونَهَا إلَّا بِمَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ فَأَجَازَ فِي لَفْظَةِ مَنْ وَمَا وَنَحْوِهِمَا وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الْمَعْرِفَةَ إلَى الْوَاحِدِ وَلَمْ يُجِزْ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَعْرَفَةَ إلَّا إلَى الثَّلَاثَةِ وَمُخْتَارُ الشَّيْخِ أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى الْوَاحِدِ فِي الْجَمْعِ إلَّا فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ صِيغَةً وَمَعْنًى كَرِجَالٍ وَنِسَاءٍ أَوْ مَعْنًى بِلَا صِيغَةٍ كَرَهْطٍ وَقَوْمٍ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ فِيهِمَا إلَّا إلَى الثَّلَاثَةِ وَتَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَوْ امْتَنَعَ إلَى الْوَاحِدِ لَامْتَنَعَ التَّخْصِيصُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ لَكَانَ لِصَيْرُورَتِهِ مَجَازًا إذْ لَا مَانِعَ غَيْرَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ التَّخْصِيصِ وَمَا ذَكَرُوا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعُمُومِ وَأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ عِنْدَهُمْ فَالتَّخْصِيصُ يَجْعَلُهُ مَجَازًا فِيمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ أَقْسَامِ الْمَجَازِ وَتَعَلَّقَ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِأَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْجَمْعِ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا بُيِّنَ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلَى مَا دُونَهَا؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ دَالًّا عَلَى الْجَمْعِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ النَّسْخِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الْمُشْرِكِينَ لَا يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ بِحَالٍ فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى مَا لَا يَصْلُحُ لَهُ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَاعْتَمَدَ مَنْ فَصَّلَ عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ إلَى الْوَاحِدِ فِي لَفْظَةِ مَنْ لَا يُخْرِجُ اللَّفْظَ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ فَإِنَّهَا يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ فِي قَوْلِك مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْته فَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ فِيهَا وَأَمْثَالُهَا إلَى الْوَاحِدِ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ الْجُمُوعِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي الْآحَادِ إخْرَاجٌ لَهَا عَنْ مَوْضُوعَاتِهَا فَلَا يَجُوزُ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ يُسَمَّى عَامًّا مَخْصُوصًا وَإِذَا خُصِّصَ إلَى اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ تَسْمِيَتُهُ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ.
وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْجَمْعِ وَالتَّخْصِيصِ لَا يُخْرِجُ الْعَامَّ عَنْ حَقِيقَتِهِ لِبَقَاءِ مَعْنَى الْجَمْعِ فِيهِ بَعْدُ، بَلْ هُوَ تَبْيِينُ أَنَّ اللَّفْظَ مَصْرُوفٌ إلَى بَعْضِ وُجُوهِ الْحَقِيقَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّمَسُّكَ بِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ جَازَ لِبَقَاءِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ بِالْوَضْعِ عَلَى أَفْرَادٍ مُجْتَمِعَةٍ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ إلَّا أَنَّ دَلَالَتَهُ قَبْلَ التَّخْصِيصِ كَانَتْ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَإِذَا آلَ أَمْرُ التَّخْصِيصِ إلَى إخْرَاجِ الْكَلَامِ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَحَقِيقَتِهِ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَسْخًا وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّسْخَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَرَاخِيًا بِالِاتِّفَاقِ وَالتَّخْصِيصُ يَجُوزُ مُتَّصِلًا وَمُتَرَاخِيًا عِنْدَ الْعَامَّةِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا مُتَّصِلًا عِنْدَنَا وَإِذَا كَانَ نَسْخًا لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ كَمَا لَا يَجُوزُ إلَى مَا دُونَ الْوَاحِدِ فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ إلَّا بِمَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا بِخِلَافِ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ حَيْثُ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلَى الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْعُمُومُ فِيهِ ضِمْنِيٌّ فَبِالتَّخْصِيصِ إلَى الْوَاحِدِ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَكَذَا الْجُمُوعُ الْمُعَرَّفَةُ صَارَتْ فِي حُكْمِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهَا إلَى الْوَاحِدِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ (وَصَارَ مَا يَنْتَهِي) يَعْنِي لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَلْفَاظَ الْعُمُومِ عَلَى قِسْمَيْنِ بَعْضُهَا يَنْطَلِقُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا إلَّا عَلَى مَا دُونَهَا بِطَرِيقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute