وَالْحَجْبُ يَبْتَنِي عَلَى الْإِرْثِ أَيْضًا وَالْوَصِيَّةُ تَبْتَنِي عَلَيْهِ أَيْضًا وَالثَّانِي قُلْنَا أَنَّ الْخَبَرَ مَحْمُولٌ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ نَهَى الْوَاحِدَ عَنْ الْمُسَافَرَةِ وَأَطْلَقَ الْجَمَاعَةَ عَلَى مَا رَوَيْنَا فَإِذَا ظَهَرَ قُوَّةُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ
ــ
[كشف الأسرار]
وَالْحَجْبِ فَقَالَ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمَوَارِيثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦] أَيْ إنْ كَانَتْ الْأُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ اثْنَتَيْنِ فَأَثْبَتَ لِلْأُخْتَيْنِ ثُلُثَيْ الْمَالِ تَصْرِيحُ هَذَا النَّصِّ وَقَدْ ثَبَتَ بَدَلًا لَهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: ١١] أَنْ لَيْسَ لِمَا فَوْقَ الْأُخْتَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ فَعَرَفْنَا أَنَّ لِلِاثْنَتَيْنِ حُكْمَ الْجَمْعِ فِي الْأَخَوَاتِ وَلَمَّا كَانَ لِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ مَعَ أَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُتَوَسِّطَةٌ إذْ هِيَ قُرْبَةُ مُجَاوَرَةٍ فَلَأَنْ يَكُونَ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ مَعَ أَنَّ قَرَابَتَهُمَا قَرِيبَةٌ إذْ هِيَ قَرَابَةُ حُرُوبَةٍ كَانَ أَوْلَى فَثَبَتَ أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ حُكْمَ الثَّلَاثِ بِهَذَا النَّصِّ أَيْضًا وَلَيْسَ فِي الْمَوَارِيثِ صُورَةٌ أُخْرَى أَلْحَقَ فِيهِ الْإِتْيَانَ بِالْجَمْعِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ سِوَى الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ فَكَانَ هَذَا النَّصُّ مُوجِبًا لِإِلْحَاقِ الِاثْنَتَيْنِ بِالثَّلَاثِ فَلِهَذَا حُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ هَذَا النَّصُّ هُوَ الْمُوجِبُ لِاسْتِحْقَاقِ الِاثْنَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ لَا النَّصُّ الْوَارِدُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: ١١] وَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّزَاعَ لَمْ يَقَعْ فِيمَا يُفِيدُ فَائِدَةَ الْجَمْعِ بَلْ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الرِّجَالِ وَالْمُسْلِمِينَ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ.
قَوْلُهُ (وَالْحَجْبُ يُبْتَنَى عَلَى الْإِرْثِ أَيْضًا) يَعْنِي لَمَّا كَانَ لِلْمُثَنَّى حُكْمُ الْجَمْعِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْجَمْعِ أَيْضًا فِي الْحَجْبِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِرْثِ فَإِنَّ الْحَاجِبَ يَكُونُ وَارِثًا بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ حَتَّى لَا يُحْجَبَ الْمَحْرُومُ عِنْدَ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَجْبَ لَا يَتَحَقَّقُ حِينَ لَا إرْثَ فَكَانَ الْحَجْبُ مَبْنِيًّا عَلَى الْإِرْثِ فَيَثْبُتُ لِلِاثْنَيْنِ فِيهِ حُكْمُ الْجَمْعِ أَيْضًا فَأَيْضًا يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا تَرَى عَلَى أَنَّا نَقُولُ ثَبَتَ الْحَجْبُ بِالْأَخَوَيْنِ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ لَا بِالنَّصِّ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حِينَ رَدَّ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْأَخَوَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١] وَالْأَخَوَانِ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ فِي لِسَانِ قَوْمِك قَالَ نَعَمْ وَلَكِنْ لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ أُخَالِفَهُمْ فِيمَا رَأَوْا وَفِي رِوَايَةٍ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُضَ أَمْرًا كَانَ قَبْلِي وَتَوَارَثَهُ النَّاسُ فَلَوْلَا أَنَّ مُقْتَضَى اللِّسَانِ أَنَّ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ حَقِيقَةً لَمَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى عُثْمَانَ وَلَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ وَلَمَا عَدَلَ إلَى التَّأْوِيلِ فَلَمَّا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَعَدَلَ إلَى التَّأْوِيلِ وَقَدْ كَانَا مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَا إخْوَةً حَقِيقَةً وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ الْحَجْبُ بِالِاثْنَيْنِ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالنَّصِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَجْبَ يَثْبُت بِالْأَخَوَاتِ الْمُفْرَدَاتِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَإِنَّ اسْمَ الْإِخْوَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَخَوَاتِ الْمُفْرَدَاتِ بِحَالٍ.
قَوْلُهُ (وَالثَّانِي) أَيْ التَّأْوِيلُ الثَّانِي لِذَلِكَ الْخَبَرِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى إبَاحَةِ السَّفَرِ لِلِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ كَانَ مَنْهِيًّا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا لِلْجَمَاعَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَاحِدُ شَيْطَانٌ وَالِاثْنَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» إذْ فِيهِ نَهْيٌ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ عَنْ اخْتِيَارِ حَالَةٍ تَسْتَحِقُّ اسْمَ الشَّيْطَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْكُفَّارِ فَإِذَا كَانُوا جَمَاعَةً سَلَّمُوا غَالِبًا لِقُوَّتِهِمْ فَإِذَا ظَهَرَ قُوَّةُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ يَعْنِي فِي جَوَازِ السَّفَرِ وَفِي لَفْظِ الشَّيْخِ نَوْعُ اشْتِبَاهٍ فَإِنَّهُ قَالَ وَالثَّانِي وَلَوْ قَالَ وَالثَّالِثُ مَكَانَ قَوْلِهِ وَالثَّانِي لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْحَدِيثِ أَوَّلًا بِتَأْوِيلَيْنِ وَهَذَا ثَالِثُهُمَا إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ التَّأْوِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِمَنْزِلَةِ تَأْوِيلٍ وَاحِدٍ ثُمَّ بَنَى الْكَلَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ وَالثَّانِي وَقَوْلُهُ قُلْنَا وَقَعَ زَائِدًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتِمُّ بِدُونِهِ وَقَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ إضْمَارٍ أَيْضًا وَمَعْنَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَسْخِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute