للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهَا تَكْمُلُ بِالْإِمَامِ حَتَّى شَرَطْنَا فِي الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةً سِوَى الْإِمَامِ وَأَمَّا قَوْلُهُ {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] فَلِأَنَّ عَامَّةَ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ زَوْجٌ فَالْحَقُّ الْفَرْدُ بِالزَّوْجِ لِعِظَمِ مَنْفَعَتِهِ كَأَنَّهُ زَوْجٌ وَقَدْ جَاءَ فِي اللُّغَةِ خِلَافُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ نَحْنُ فِعْلُنَا لَا يَصْلُحُ إلَّا مِنْ وَاحِدٍ يَحْكِي عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ كَأَنَّهُ تَابِعٌ فَلَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ يُفْرِدَ الصِّيغَةَ فَاخْتِيرَ لَهُمَا الْجَمْعُ مَجَازًا كَمَا جَازَ لِلْوَاحِدِ أَنْ يَقُولَ فَعَلْنَا كَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[كشف الأسرار]

مَا ثَبَتَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ حُرْمَةُ السَّفَرِ لِلِاثْنَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْكَلَامُ أَعْنِي قَوْلَهُ وَالثَّانِي إلَى آخِرِهِ مَذْكُورًا فِي النُّسَخِ الْعَتِيقَةِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُ عَلَى اثْنَيْنِ فَقَالَ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ مَحْسُوبٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ أَدَاءِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ سِوَى الْجُمُعَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْإِمَامُ مِنْ جُمْلَةِ الْجَمَاعَةِ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ اثْنَانِ كَمُلَتْ الْجَمَاعَةُ فَيَثْبُتُ حُكْمًا وَهُوَ تَقَدُّمُ الْإِمَامِ وَاصْطِفَافُ مَنْ خَلْفَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ شَرْطُ أَدَائِهَا كَالْجَمَاعَةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَمَاعَةِ فَلِهَذَا يُشْتَرَطُ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ.

١ -

قَوْلُهُ (وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] فَإِنَّمَا أَطْلَقَ اسْمَ الْجَمْعِ عَلَى أَرْبَعَةِ قُلُوبٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ فِي الصُّورَةِ قَلْبَانِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَعْضَاءِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا فِي الْإِنْسَانِ زَوْجٌ فَأُلْحِقَ مَا كَانَ فَرْدًا مِنْهُ لِعِظَمِ مَنْفَعَتِهِ بِالزَّوْجِ كَمَا أُلْحِقَ الزَّوْجُ بِالْفَرْدِ فِي قَوْلِهِمْ مَشَى بِرِجْلِهِ وَسَمِعَ بِأُذُنِهِ وَأَبْصَرَ بِعَيْنِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَطَعَ لِسَانَ إنْسَانٍ أَوْ فَرْجَهُ يَلْزَمُهُ كَمَالُ الدِّيَةِ لِشَرَفِهِ وَعِظَمِ مَنْفَعَتِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْيَدَيْنِ فَصَارَ كُلُّ قَلْبٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى قَلْبَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي الصُّورَةِ وَاحِدًا فَلِهَذَا جَازَ إطْلَاقُ اسْمِ الْجَمْعِ عَلَيْهِمَا وَلِأَنَّ الْقَلْبَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَيْلِ الْمَوْجُودِ فِيهِ فَيُقَالُ لِلْمُنَافِقِ ذُو قَلْبَيْنِ وَيُقَالُ لِلَّذِي لَا يَمِيلُ إلَّا إلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَهُ قَلْبٌ وَاحِدٌ وَلَمَّا خَالَفَتْ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ أَمْرَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَأْنِ مَارِيَةَ وَقَعَ فِي قَلْبِهِمَا دَوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَفْكَارٌ مُتَبَايِنَةٌ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ مَنْ الْقُلُوبِ هِيَ الدَّوَاعِي وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا يُوصَفُ بِالصَّفْوِ إنَّمَا يُوصَفُ الْمَيْلُ بِهِ كَذَا فِي الْمَحْصُولِ وَقَدْ جَاءَ فِي اللُّغَةِ خِلَافُ ذَلِكَ أَيْ خِلَافُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى التَّثْنِيَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ الشَّاعِرُ:

ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ

وَذَكَرَ فِي التَّيْسِيرِ وَقُلُوبُكُمَا عَلَى الْجَمْعِ مَعَ إضَافَتِهَا إلَى اثْنَيْنِ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْغَالِبُ فِي اللُّغَةِ فِيمَا كَانَ فِي الْإِنْسَانِ مِنْ الْأَعْضَاءِ فَرْدًا غَيْرَ مُثَنًّى.

وَفِيهِ وَجْهَانِ آخَرَانِ الْإِفْرَادُ وَالتَّثْنِيَةُ قَالَ الشَّاعِرُ:

كَأَنَّهُ وَجْهٌ تَرَكَّبَيْنَ قَدْ غَضِبَا ... مُسْتَهْدَفٌ لِطِعَانِ غَيْرِ تَرْتِيبٍ

وَقَالَ آخَرُ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ

ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ

قَوْلُهُ (وَقَوْلُهُمْ نَحْنُ فَعَلْنَا لَا يَصِحُّ إلَّا مَنْ يَحْكِي عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ) يَعْنِي لَا يَصِحُّ التَّكَلُّمُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُ صُدُورُهَا مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَ بِالْكَلَامِ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ اثْنَيْنِ بِخِلَافِ الْخِطَابِ فَإِنَّ بِالْكَلَامِ الْوَاحِدِ يَجُوزُ أَنْ يُخَاطَبَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ تَبَعًا لَهُ فِي الدُّخُولِ تَحْتَ هَذِهِ الصِّيغَةِ فَلَمْ يُفْرِدْ لَهُمَا صِيغَةً لِئَلَّا يَكُونَ التَّبَعُ مُزَاحِمًا لِلْأَصْلِ فَاخْتِيرَ لَهُمَا صِيغَةُ الْجَمْعِ مَجَازًا وَلِأَنَّهُمْ وَضَعُوا هَذِهِ الْعَلَامَاتِ الْمُمَيِّزَةَ لِدَفْعِ الِاشْتِبَاهِ عَنْ السَّامِعِ وَذَلِكَ فِي الْخِطَابِ وَالْغَيْبَةِ لَا فِي الْحِكَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ وَذَلِكَ الْغَيْرُ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ فِعْلُنَا مُشَاهَدٌ لِلسَّامِعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى عَلَامَةِ التَّمَيُّزِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ فِيهَا عَلَامَةٌ مُمَيِّزَةٌ بَيْنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ اعْتِمَادًا عَلَى الْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الْخِطَابِ وَالْغَيْبَةِ.

وَذَكَرَ فِي شَرْحِ أُصُولِ الْفِقْهِ لِابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي لَفْظِ (ج م ع) أَعْنِي الْجَمْعَ لُغَةً وَهُوَ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي الِاثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>