للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

الْخِطَابِ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَتَقْيِيدٍ، وَالْحَقِيقَةُ تُفْهَمُ بِالْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَتَقْيِيدٍ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ الْوَاحِدُ جَامِعًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَيَكُونُ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَكِنَّ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ اعْتَرَضُوا عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ فَقَالُوا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مُسْتَقِرَّةٌ فِي مَوْضِعِهِ حَقِيقَةً وَالْمَجَازُ مُتَجَاوِزٌ عَنْ مَوْضِعِهِ كَذَلِكَ بَلْ اللَّفْظُ صَوْتٌ وَحَرْفٌ يَتَلَاشَى كَمَا وُجِدَ فَيَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ بِالِاسْتِقْرَارِ وَالتَّجَاوُزِ وَلَكِنَّهُ اسْتَعْمَلَ أَيْ تَلَفَّظَ بِهِ وَأُرِيدَ بِهِ مَوْضُوعُهُ وَغَيْرُ مَوْضُوعِهِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّا. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُرِيدٍ لِمَا وُضِعَتْ الْكَلِمَةُ لَهُ أَوْ لَا بَلْ اللَّازِمُ كَوْنُهُ مُرِيدًا لِمَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَهُوَ الْمَجْمُوعُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إرَادَتِهِمَا مَعًا أَنْ لَا يَكُونَ الْأَوَّلُ مُرَادًا. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ رَأَيْت الْأَسْوَدَ وَأَرَادَ بِهِ أَسَدًا وَرِجَالًا شُجْعَانًا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُضْمِرَ كَافَ التَّشْبِيهِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ.

وَعَلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَا يَلْزَمُنَا؛ لِأَنَّا إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ إذَا عَرِيَ عَنْ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَجَازِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ ثُمَّ قِيَامُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَجَازِ لَا يَنْفِي عَنْ اللَّفْظِ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ بِهِمَا جَمِيعًا وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ وَهَاءٌ وَفِي الْجَوَابِ عَنْهَا كَلَامٌ طَوِيلٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ إرَادَةَ الْمَعْنَيَيْنِ تَجُوزُ عَقْلًا وَلَكِنْ لَا تَجُوزُ لُغَةً؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَضَعُوا قَوْلَهُمْ حِمَارٌ لِلْبَهِيمَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَحْدَهَا وَتَجَوَّزُوا بِهِ فِي الْبَلِيدِ وَحْدَهُ وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِيهِمَا مَعًا أَصْلًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ رَأَيْت حِمَارًا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْبَهِيمَةُ وَالْبَلِيدُ جَمِيعًا وَإِذَا قَالَ رَأَيْت حِمَارَيْنِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَشْخَاصٍ بَهِيمَتَيْنِ وَبَلِيدَيْنِ بِوَجْهٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا خَارِجًا عَنْ لُغَتِهِمْ فَلَا تَجُوزُ (فَإِنْ قِيلَ) صِحَّةُ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومَيْهِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِمْ إذَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَأَمَّا إذَا جَوَّزْنَاهُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فَلَا يُعَدُّ مَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى طَرِيقَةٍ مَنْقُولَةٍ عَنْهُمْ وَهُوَ إطْلَاقُ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ (قُلْنَا) نَعَمْ وَلَكِنْ إذَا صَحَّ بِنَاؤُهُ عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقَةِ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ الَّذِي يَجُوزُ إطْلَاقُ اسْمِ جُزْئِهِ عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا تَحْتَ لَفْظٍ مَوْضُوعٍ لَهُ لِيُثْبِتَ كُلِّيَّتَهُ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ ثُمَّ يُطْلِقُ عَلَيْهِ اسْمَ جُزْئِهِ كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْوَجْهِ أَوْ الرَّقَبَةِ عَلَى الذَّاتِ فَإِنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ لَمَّا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ اسْمِ الذَّاتِ أَوْ الْإِنْسَانِ أَوْ الْبَدَنِ أَوْ النَّفْسِ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا جَازَ إطْلَاقُ اسْمِ الْجُزْءِ وَهُوَ الْوَجْهُ أَوْ الرَّقَبَةُ عَلَيْهِ وَأَنْتَ لَا تَجِدُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى الْهَيْكَلِ الْمَخْصُوصِ وَالْإِنْسَانُ الشُّجَاعُ بِالْوَضْعِ لِيُثْبِتَ الْكُلِّيَّةَ فِيهِمَا بِوَجْهٍ فَكَيْفَ يَجُوزُ إطْلَاقُ لَفْظِ الْأَسَدِ عَلَيْهِمَا بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ وَلَا جُزْئِيَّةَ وَلَا كُلِّيَّةَ.

وَلَا يُقَالُ الْكُلِّيَّةُ ثَابِتَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ لَا يَعْدُو عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَكَانَا كُلًّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوهُ فِي شَيْءٍ مِنْ اسْتِعْمَالَاتِهِمْ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الْبَخَرِ وَالْحُمَّى فِي الْأَسَدِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْمَجَازِ. وَبِمَا ذَكَرْنَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ كَلِمَاتِهِمْ. وَلَا تَمَسُّكَ لَهُمْ فِيمَا حَكَوْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>