لِمَا قُلْنَا أَحَدُهُمَا مَوْضُوعٌ وَالْآخَرُ مُسْتَعَارٌ مِنْهُ فَاسْتَحَالَ اجْتِمَاعُهُمَا كَمَا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ عَلَى رَجُلٍ لَبِسَهُ مِلْكًا لَهُ وَعَارِيَّةً مَعًا، وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَلِمَوَالِيهِ مَوَالٍ أَعْتَقُوهُمْ أَنَّ الثُّلُثَ لِلَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ وَلَيْسَ لِمَوَالِي مُعْتِقِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مُعْتِقِيهِ مَوَالِيه حَقِيقَةً بِأَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ
ــ
[كشف الأسرار]
عَنْ سِيبَوَيْهِ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيهِمَا مَعًا بَلْ مَعْنَى مَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الدُّعَاءُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْخَبَرُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ. وَقَوْلُهُ اسْتِحَالَةُ اجْتِمَاعِهِمَا أَيْ اجْتِمَاعِ مَفْهُومَيْهِمَا. مُرَادَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مُرَادَيْنِ احْتِرَازٌ عَنْ جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا مِنْ حَيْثُ التَّنَاوُلُ الظَّاهِرِيُّ كَمَا إذَا اسْتَأْمَنَ عَلَى الْأَبْنَاءِ وَالْمَوَالِي. أَوْ احْتِرَازًا عَنْ جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي احْتِمَالِ اللَّفْظِ إيَّاهُمَا. لِمَا قُلْنَا إنَّ أَحَدَهُمَا أَيْ أَحَدُ الْمَفْهُومَيْنِ مَوْضُوعٌ أَيْ مَوْضُوعٌ لَهُ. وَالْآخَرُ أَيْ الْمَفْهُومُ الْآخَرُ مُسْتَعَارٌ مِنْهُ أَيْ لَهُ.
فَاسْتَحَالَ اجْتِمَاعُهُمَا أَيْ اجْتِمَاعُ هَذَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِتَأَدِّيهِ إلَى كَوْنِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. أَوْ يُقَالُ لَمَّا قُلْنَا إنَّ أَحَدَهُمَا أَيْ أَحَدُ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ مَوْضُوعٌ. وَالْآخَرُ وَهُوَ الْمَجَازُ مُسْتَعَارٌ مِنْهُ أَيْ مِمَّا وُضِعَ لَهُ؛ فَاسْتَحَالَ اجْتِمَاعُهُمَا أَيْ اجْتِمَاعُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ كَمَا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ عَلَى رَجُلٍ لَبِسَهُ أَيْ فِي حَالَةِ اسْتِعْمَالِهِ مِلْكًا لَهُ وَعَارِيَّةً فِي حَقِّهِ أَيْضًا. يَعْنِي الْأَلْفَاظَ لِلْمَعَانِي بِمَنْزِلَةِ الْكُسْوَةِ لِلْأَشْخَاصِ فَكَمَا أَنَّ فِي الْكُسْوَةِ الْوَاحِدَةِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَجْتَمِعَ صِفَةُ الْمِلْكِ وَالْعَارِيَّةِ فِي اسْتِعْمَالِ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ كَوْنُهُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِي اسْتِعْمَالٍ وَاحِدٍ. وَلَا يُقَالُ إنْ أَرَدْتُمْ بِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمِلْكِ وَالْعَارِيَّةِ اسْتِحَالَتَهُ بِنِسْبَةِ شَخْصَيْنِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ الْمُسْتَعَارَ فِي حَالَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعِيرِ مَمْلُوكٌ وَمُسْتَعَارٌ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْمِلْكُ وَالْعَرِيَّةُ فِيهِ وَلَكِنْ بِنِسْبَةِ شَخْصَيْنِ. وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِحَالَتَهُ بِنِسْبَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ لَا يُطَابِقُهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ اجْتِمَاعُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِالِاعْتِبَارِ مَعْنَى وَاحِدٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّشْبِيهُ. لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ هُوَ التَّشْبِيهُ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ لَا غَيْرُ يَعْنِي كَمَا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ وَالْعَارِيَّةِ جَمِيعًا مُسْتَحِيلٌ سَوَاءٌ كَانَ بِنِسْبَةِ شَخْصٍ أَوْ بِنِسْبَةِ شَخْصَيْنِ فَكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعًا مُسْتَحِيلٌ سَوَاءٌ كَانَ بِنِسْبَةِ مَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ بِنِسْبَةِ مَعْنَيَيْنِ.
وَكَانَ الْأَحْسَنُ فِي التَّشْبِيهِ أَنْ يُقَالَ كَمَا اسْتَحَالَ أَنْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ الْوَاحِدَ لَابِسَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَبِسَهُ بِكَمَالِهِ أَحَدُهُمَا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ وَالْآخَرُ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ. إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ اخْتَارَ هَذَا الْوَجْهَ مِنْ التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الِاسْتِحَالَةِ وَبَيَّنَ اسْتِحَالَةَ اجْتِمَاعِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَيَيْنِ لِتَعَرُّفِ الِاسْتِحَالَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَى وَاحِدٍ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَلِيَكُونَ إشَارَةً إلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ مِنْ مَشَايِخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَلَكِنْ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حَتَّى قَالُوا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَوْلَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] . مَعَ أَنَّ اسْمَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ لِلْجَدَّةِ وَبِنْتِ الْوَلَدِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرُوا عَيْنَ مَذْهَبِ الْخُصُومِ. وَأَمَّا حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَوْلَادِ وَنَحْوِهَا فَثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِعَيْنِ النَّصِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأُمَّ فِي اللُّغَةِ الْأَصْلُ وَالْبِنْتُ الْفَرْعُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قِيلَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُصُولُكُمْ وَفُرُوعُكُمْ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَمِيعُ. أَوْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَهِيَ أَنَّ الْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ لَمَّا حُرِّمَتَا مَعَ بُعْدِ قَرَابَتِهِمَا وَهِيَ قَرَابَةُ الْمُجَاوَرَةِ فَالْجَدَّاتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute