وَصَارَ ذَلِكَ كَأَوْلَادِهِ لِإِحْيَائِهِمْ بِالْإِعْتَاقِ فَأَمَّا مَوَالِي الْمَوَالِي فَمَوَالِيه مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَ الْأَوَّلِينَ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُمْ مَالِكِيَّةَ الْإِعْتَاقِ فَصَارَ ذَلِكَ مُسَبِّبًا لِإِعْتَاقِهِمْ فَنُسِبُوا إلَيْهِ بِحُكْمِ السَّبَبِيَّةِ مَجَازًا وَالْحَقِيقَةُ ثَابِتَةٌ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمَجَازُ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ مِثْلُ الْمَوَالِي لَا يَعُمُّ الْأَعْلَيْنَ وَالْأَسْفَلِينَ حَتَّى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَوَالِي وَلِلْمُوصِي مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالٍ أَعْتَقُوهُ بَاطِلَةٌ وَهَذِهِ مَعَانٍ يَحْتَمِلُهَا الِاسْمُ احْتِمَالًا عَلَى السَّوَاءِ إلَّا أَنَّهَا لَمَّا اخْتَلَفَ سَقَطَ الْعُمُومُ فَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَدَلَالَةُ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا مُتَفَاوِتَةٌ أَوْلَى أَنْ لَا يَجْتَمِعَا
ــ
[كشف الأسرار]
وَالْبَنَاتُ لَأَنْ يَحْرُمْنَ مِنْ قُرْبِ قَرَابَتِهِنَّ وَهِيَ قَرَابَةُ الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ كَانَ أَوْلَى. وَلَا يُقَالُ الثَّوْبُ الْمَرْهُونُ إذَا اسْتَعَارَهُ الرَّاهِنُ وَلَبِسَهُ يَكُونُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ وَالْعَارِيَّةِ جَمِيعًا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ.
لِأَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ انْتِفَاعَهُ بِهِ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ بَلْ بِأَصْلِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ لَهُ إذْ هُوَ الْمُطْلَقُ لِلِانْتِفَاعِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا عَنْهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالْإِعَارَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ. وَإِطْلَاقُ الْعَارِيَّةِ عَلَيْهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُهَا حَقِيقَةً لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ تُصُوِّرَ بِصُورَةِ الْإِعَارَةِ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ إعَارَةً.
قَوْلُهُ (فَصَارَ ذَلِكَ) أَيْ الْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ بِالْإِعْتَاقِ. كَوِلَادِهِمْ لِإِحْيَائِهِمْ بِالْإِعْتَاقِ. يَعْنِي أَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ صَارَ سَبَبًا لِحَيَاتِهِمْ كَالْأَبِ صَارَ سَبَبًا لِوُجُودِ الْوَلَدِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: ١٢٢] . أَيْ كَافِرًا فَهَدَيْنَاهُ وَقَالَ {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: ٨٠] . وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعْ لِحَيَاتِهِ صَارَ فِي حُكْمِ الْأَمْوَاتِ كَمَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِسَمْعِهِ وَنُطِقْهُ وَبَصَرِهِ وَعَقْلِهِ صَارَ فِي حُكْمِ عَدِيمِ الْحَوَاسِّ وَالْعَقْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١] .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا إنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ ضَرْبُ الرِّقِّ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً فَالْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ يَصِيرُ مُسَبِّبًا لِحَيَاتِهِ بِإِزَالَةِ مَا هُوَ أَثَرُ الْمَوْتِ فَكَانَ إعْتَاقُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْيَاءِ كَالْوِلَادَةِ فَيَكُونُ مُتَعَلِّقٌ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَمُعْتَقُ الْمُعْتِقِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْوَالِدِ فَيَكُونُ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ حَقِيقَةً وَعَلَى الثَّانِي مَجَازًا كَمَا فِي الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ فَلَا يَدْخُلُ الثَّانِي تَحْتَ الْوَصِيَّةِ.
قَوْلُهُ (أَلَا تَرَى مُتَّصِلٌ) بِقَوْلِهِ مِلْكًا وَعَارِيَّةً وَتَوْضِيحٌ لِمَا ذَكَرَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ إرَادَةِ مَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ فَقَالَ الِاسْمُ الْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ لَهُ لِمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مِثْلُ الْمَوَالِي لَا يَعُمُّ الْمُعْتَقِينَ وَالْمُعْتِقِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ وَيُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ. وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ النِّصْفُ لِلْمُعْتَقِينَ وَالنِّصْفُ لِلْمُعْتِقِينَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ تُرَجِّحُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى الْعَكْسِ. وَهَذِهِ مَعَانٍ أَيْ الْمَعَانِي الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الِاسْمُ الْمُشْتَرَكُ. يَحْتَمِلُهَا الِاسْمُ احْتِمَالًا عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ بِالْوَضْعِ. إلَّا أَنَّهَا أَيْ لَكِنَّهَا لَمَّا اخْتَلَفَ سَقَطَ الْعُمُومُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعَامِّ تَسَاوِي الْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ. فَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ أَيْ مَفْهُومَاهُمَا. وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الشُّجَاعَ مُخَالِفُ الْأَسَدِ.
وَدَلَالَةُ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا أَيْ عَلَى مَفْهُومَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُتَفَاوِتَةٌ لِلِاحْتِيَاجِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَى الْقَرِينَةِ دُونَ الْآخَرِ. أَوْلَى أَنْ لَا يَجْتَمِعَا لِوُجُودِ ذَلِكَ الْمَانِعِ الْمَوْجُودِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ وَزِيَادَةٌ وَهِيَ عَدَمُ التَّسَاوِي فِي الدَّلَالَةِ. .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْمُخْتَلَفِ عَلَى الْمُخْتَلِفِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَوَّزَ الْجَمْعَ غَيْرَ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ بِالْعُمُومِ فِي الْمُشْتَرَكِ بَلْ اسْتَدَلَّ بِجَوَازِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَوَازِ التَّعْمِيمِ هَهُنَا وَقَالَ التَّعْمِيمُ هَهُنَا أَوْلَى مِنْ التَّعْمِيمِ فِي الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعَلُّقٍ بَيْنَ مَحَلَّيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَلَمَّا جَازَ تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ بِدُونِ عَلَاقَةٍ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ التَّعْمِيمُ هُنَا مَعَ وُجُودِ التَّعَلُّقِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْخَصْمِ لَكِنْ لَمَّا تَمَهَّدَ وَتَقَرَّرَ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute