وَلِهَذَا قُلْنَا فِي غَيْرِ الْخَمْرِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالْخَمْرِ فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أُرِيدَتْ بِذَلِكَ النَّصِّ فَبَطَلَ الْمَجَازُ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] أَنَّ الْمَسَّ بِالْيَدِ غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْوَطْءُ حَتَّى حَلَّ لِلْجُنُبِ التَّيَمُّمُ فَبَطَلَ الْحَقِيقَةُ، وَلِهَذَا قِيلَ فِيمَنْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ أَوْ لِأَبْنَائِهِ وَلَهُ بَنُونَ وَبَنُو بَنِينَ جَمِيعًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَبْنَائِهِ دُونَ بَنِي بَنِيهِ لِمَا قُلْنَا. .
ــ
[كشف الأسرار]
الشَّيْخِ انْتِفَاءُ جَوَازِ التَّعْمِيمِ فِي الْمُشْتَرَكِ بِدَلَائِلَ قَوِيَّةٍ ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ لَمْ يُبَالِ بِالِاسْتِدْلَالِ بِهِ كَمَا فَعَلَ مُحَمَّدٌ هَكَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِهِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَفْهُومَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْحَدُّ بِشُرْبِ الْقَلِيلِ مِنْ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ وَكَثِيرِهِ كَمَا فِي الْخَمْرِ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» .
وَقَالَ سَائِرُ الْأَشْرِبَةِ يُسَمَّى خَمْرًا بِاعْتِبَارِ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِ هَذَا النَّصِّ كَالْخَمْرِ. فَقَالَ الشَّيْخُ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ بِالْخَمْرِ بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ حَقِيقَةٌ وَلِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ الْمُخَامَرَةِ وَقَدْ يَثْبُتُ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً بِهَذَا النَّصِّ فَيَخْرُجُ الْمَجَازُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا. وَلَا يُقَالُ قَدْ أَلْحَقَ سَائِرَ الْأَشْرِبَةِ بِالْخَمْرِ عِنْدَ حُصُولِ السُّكْرِ فِي إيجَابِ الْحَدِّ فَيَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا الْقَلِيلُ أَيْضًا. لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْكَثِيرِ بِالْإِجْمَاعِ وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. «وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» . لَا بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِلِامْتِنَاعِ الْمَذْكُورِ قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى. {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] . إنَّ الْمَسَّ بِالْيَدِ غَيْرُ مُرَادٍ حَتَّى لَا يَكُونَ مَسُّ الْمَرْأَةِ حَدَثًا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَحْمِلُ آيَةَ اللَّمْسِ عَلَى الْمَسِّ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا كَذَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَهَكَذَا رَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ وَهُوَ الْوَطْءُ أُرِيدَ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى حَلَّ لِلْجُنُبِ التَّيَمُّمُ بِهَذَا النَّصِّ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا هَهُنَا فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً.
وَلِهَذَا مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى اللَّمْسِ بِالْيَدِ لَمْ يُجَوِّزْ التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ مِثْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْوَطْءِ جَوَّزَهُ لَهُ مِثْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ قُرِئَتْ الْآيَةُ بِقِرَاءَتَيْنِ لَامَسْتُمْ وَلَمَسْتُمْ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَاللَّمْسِ فَيُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْوَطْءِ وَالْأُخْرَى عَلَى الْمَسِّ بِالْيَدِ كَمَا حَمَلْتُمْ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى. {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] . بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ وَقَوْلُهُ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: ٦] بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ عَلَى الْحَالَيْنِ (قُلْنَا) لَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي حَمْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْخُصُومِ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَا ذَكَرْتُمْ إذَا لَمْ يَمْنَعْ عَنْهُ مَانِعٌ وَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ» . وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالسَّلَفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَبَعْضُهُمْ قَالُوا الْمُرَادُ مِنْهَا الْمَسُّ بِالْيَدِ وَلَمْ يُجَوِّزُوا التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ وَبَعْضُهُمْ الْمُرَادُ هُوَ الْجِمَاعُ وَجَوَّزُوا التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ وَلَمْ يَجْعَلُوا الْمَسَّ حَدَثًا فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ وَكَوْنِ الْمَسِّ حَدَثًا أَيْضًا عَمَلًا بِالْقِرَاءَتَيْنِ كَانَ خَارِجًا عَنْ أَقْوَالِهِمْ وَإِجْمَاعِهِمْ فَيَكُونُ مَرْدُودًا كَذَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ قُلْنَا فِيمَنْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ. ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِبَنِي فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ ذَلِكَ أَوْلَادٌ فَالثُّلُثُ لِلذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ دُونَ الْإِنَاثِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا إذَا اخْتَلَطَ الذُّكُورُ بِالْإِنَاثِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ وَإِنْ انْفَرَدَ الْإِنَاثُ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَأَوْلَادُ ابْنٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَصِيَّةُ لِبَنِيهِ لِصُلْبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute