. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَلِهَذَا جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَصِيَّةَ لِلْأَبْنَاءِ خَاصَّةً بِهَذَا اللَّفْظِ. وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا الْمَقْصُودُ مِنْ الْأَمَانِ حَقْنُ الدَّمِ أَيْ صِيَانَتُهُ وَحِفْظُهُ يُقَالُ حَقَنْت دَمَهُ أَيْ مَنَعْته أَنْ يُسْفَكَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الدِّمَاءِ أَنْ يَكُونَ مَحْقُونَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. «الْآدَمِيُّ بُنْيَانُ الرَّبِّ» . وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الْقَتْلُ قَبْلَ الدَّعْوَةِ وَبَعْدَ قَبُولِ الْجِزْيَةِ فَيَثْبُتُ بِأَدْنَى شُبْهَةٍ وَاسْمُ الْأَبْنَاءِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ يَتَنَاوَلُ الْفُرُوعَ فَإِنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِالْبُنُوَّةِ يُقَالُ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو تَمِيمٍ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى. يَا بَنِي آدَمَ. إلَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْمَجَازِ فِي الْإِرَادَةِ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ صُورَةِ الِاسْمِ شُبْهَةً فَيَثْبُتُ الْأَمَانُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ كَافِيَةٌ لَحِقْنَ الدَّمِ كَمَا يَثْبُتُ الْأَمَانُ بِمُجَرَّدِ الْإِشَارَةِ إذَا دَعَا بِهَا الْكَافِرُ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ أَشَارَ أَنْ انْزِلْ إنْ كُنْت رَجُلًا أَوْ إنْ كُنْت تُرِيدُ الْقِتَالَ أَوْ تَعَالَ حَتَّى تُبْصِرَ مَا أَفْعَلُ بِك فَظَنَّهُ الْكَافِرُ أَمَانًا لِصُورَةِ الْمُسَالَمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَقِيقَةً.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَشَارَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْعَدُوِّ أَنْ تَعَالَ فَإِنَّك إنْ جِئْت قَتَلْتُك فَأَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ يَعْنِي إذَا لَمْ يَفْهَمْ قَوْلَهُ إنْ جِئْت قَتَلْتُك أَوْ لَمْ يَسْمَعْ. وَمَا رُوِيَ أَنَّ الْهُرْمُزَانَ لِمَا أَتَى بِهِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَهُ تَكَلَّمَ فَقَالَ أَتَكَلَّمُ كَلَامَ حَيٍّ أَمْ مَيِّتٍ فَقَالَ عُمَرُ كَلَامَ حَيٍّ فَقَالَ كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَنَا وَلَا لَكُمْ دِينٌ لَكِنَّا نَعُدُّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ بِمَنْزِلَةِ الْكِلَابِ فَإِذَا عَزَّكُمْ اللَّهُ بِالدِّينِ وَبَعَثَ رَسُولَهُ فِيكُمْ لَمْ نُطْقِكُمْ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَقُولُ هَذَا وَأَنْتَ أَسِيرٌ فِي أَيْدِينَا اُقْتُلُوهُ فَقَالَ أَفِيمَا عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ أَنْ تُؤَمِّنُوا أَسِيرًا ثُمَّ تَقْتُلُوهُ فَقَالَ مَتَى أَمَّنْتُك فَقَالَ قُلْت لِي تَكَلَّمْ كَلَامَ حَيٍّ وَالْخَائِفُ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَكُونُ حَيًّا فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَاتَلَهُ اللَّهُ أَخَذَ الْأَمَانَ وَلَمْ أَفْطِنْ بِهِ فَثَبَتَ أَنَّ مَبْنَى الْأَمَانِ عَلَى التَّوَسُّعِ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُسْتَحَقُّ بِالصُّورَةِ وَالشُّبْهَةِ. وَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الْمُزَاحَمَةِ فِي الْوَصِيَّةِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إدْخَالَ النَّقْصِ فِي نَصِيبِ الْأَبْنَاءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْأَمَانِ. وَلِأَنَّ طَلَبَ الْأَمَانِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ لِإِظْهَارِ الشَّفَقَةِ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِالْبُنُوَّةِ وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ أَظْهَرَ مِنْهُ فِي حَقِّ الْأَبْنَاءِ عَلَى مَا قِيلَ: النَّافِلَةُ أَحَبُّ إلَى الْمَرْءِ مِنْ الْوَلَدِ (فَإِنْ قِيلَ) فَهَلَّا اعْتَبَرْتُمْ هَذِهِ الشُّبْهَةَ فِي إثْبَاتِ الْأَمَانِ لِلْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ فِي الِاسْتِيمَانِ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ فَإِنَّهُمْ إذَا قَالُوا أَمِّنُونَا عَلَى آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَجْدَادُ أَوْ الْجَدَّاتُ بِحَالٍ مَعَ أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمْ صُورَةً (قُلْنَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إذَا صَارَتْ مُرَادَةً فَاعْتِبَارُ الصُّورَةِ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَا مَحَالَةَ وَبَنُو الْبَنِينَ يَلِيقُ صِفَةَ التَّبَعِيَّةِ بِحَالِهِمْ فَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلَا يَكُونُ اتِّبَاعًا لِلْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَهُمْ الْأُصُولُ فَلِهَذَا تُرِكَ اعْتِبَارُ الصُّورَةِ هُنَاكَ فِي إثْبَاتِ الْأَمَان لَهُمْ كَذَا أَجَابَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَلَا يُقَالُ الْجَدُّ أَصْلُ الْأَبِ خِلْقَةً وَلَكِنْ تَبَعٌ لَهُ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الْأَبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ هَذَا الِاسْمِ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ عَنْ الْأَبِ كَإِطْلَاقِ اسْمِ الِابْنِ عَلَى ابْنِ الِابْنِ فَيَلِيقُ إثْبَاتُ الْأَمَانِ فِي حَقِّهِمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ لِلْجَدِّ وَانْتِقَالَ نَصِيبِ الْأَبِ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَا يَمْنَعُ عَنْهُ كَوْنُهُ أَصْلًا لِلْأَبِ خِلْقَةً فَلَأَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْأَمَانُ الَّذِي يَثْبُتُ بِأَدْنَى شُبْهَةٍ وَلَا يَمْنَعُ عَنْهُ كَوْنُهُ أَصْلًا خِلْقَةً كَانَ أَوْلَى. لِأَنَّا نَقُولُ إثْبَاتُ الْأَمَانِ بِظَاهِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute