للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا صَلُحَ الْإِيجَابُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَإِنْ لَمْ يُوضَعَا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا عَلَمًا لِهَذَا الْحُكْمِ وَالْعَلَمُ يَعْمَلُ وَضْعًا لَا بِمَعْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ فِي دَلَائِلِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمَعَانِي لِصِحَّةِ الِاسْتِعَارَةِ عَلَى نَحْوِ مَا يُسْتَعْمَلُ لِلْقِيَاسِ فَلَمَّا ثَبَتَ الْمِلْكُ بِهِمَا وَضْعًا صَحَّتْ التَّعْدِيَةُ بِهِ إلَى مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّمْلِيكِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ هُوَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ لِأَمْرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ وَمَا وَرَاءَهُ مِنْ فُرُوعِ النِّكَاحِ وَثَمَرَاتِهِ لَا مِنْ الْأُمُورِ الْأَصْلِيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْصُورَةٍ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فَلَا يَصْلُحُ وَضْعُ النِّكَاحِ لِأُمُورٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَحْصُلُ وَرُبَّمَا لَا تَحْصُلُ وَقَدْ تَحْصُلُ بَعْضُهَا دُونَ الْبَعْضِ فَلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ مُبَيِّنًا لَهَا إذْ لَا بُدَّ لِلْأَمْرِ الْأَصْلِيِّ أَنْ يَثْبُتَ عَقِيبَ عِلَّتِهِ لَا مَحَالَةَ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ عَقِيبَ أَسْبَابِهَا فَيُجْعَلُ مُبَيِّنًا عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِهِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّجُلَ قَوَّامٌ عَلَى الْمَرْأَةِ كَالْمَوْلَى عَلَى الْأَمَةِ وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْبَدَلَ وَهُوَ الْمَهْرُ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ لَهَا عَلَيْهِ.

وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْمَصَالِحِ أَصْلًا فِي النِّكَاحِ لَمَا كَانَ إيجَابُ الْبَدَلِ عَلَى أَحَدِهِمَا خَاصَّةً؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَصَالِحِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا.

وَكَذَا هُوَ مَعْلُومٌ أَيْضًا بِلَا شُبْهَةٍ وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ قَطْعًا فَكَانَ جَعْلُهُ أَصْلًا فِي النِّكَاحِ أَوْلَى. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ فِي النِّكَاحِ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الْمِلْكُ قُلْنَا إلَى آخِرِهِ وَالتَّقْرِيبُ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ وَضْعًا وَلُغَةً تَرَادُفٌ. أَوْ وَضْعًا أَيْ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ. وَلُغَةً أَيْ فِي اسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا صَلُحَ الْإِيجَابُ) . جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ فِيهِ إثْبَاتَ الْمِلْكِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُنْبِئَانِ عَنْ إثْبَاتِ الْمِلْكِ بِوَجْهٍ لُغَةً. أَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ فِيهِ أَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِ لَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. فَقَالَ إنَّمَا صَلُحَ الْإِيجَابُ أَيْ إثْبَاتُ هَذَا الْحُكْمِ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْعَلَمَيْنِ لِهَذَا الْحُكْمِ فِي إثْبَاتِ هَذَا الْمِلْكِ بِهِمَا، وَالْعَلَمُ يُثْبِتُ الْحُكْمَ بِعَيْنِهِ لَا بِمَعْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ فِي دَلَائِلِ الشَّرْعِ.

وَبَيَانُهُ أَنَّ الِاسْمَ الْمَوْضُوعَ لِلشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ سَوَاءٌ عُقِلَ مَعْنَاهُ أَوْ لَمْ يُعْقَلْ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تَثْبُتُ بِالسَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْقَلَ مَعْنَاهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَعْلَامَ تَدُلُّ عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا مَعْنَاهَا فَإِنَّ الْقَصِيرَ يُسَمَّى طَوِيلًا وَالْأَسْوَدَ يُسَمَّى كَافُورًا وَيَدُلَّانِ عَلَى الْمُسَمَّى مِنْ غَيْرِ وُجُودِ مَعْنَى الطُّولِ وَالْبَيَاضِ أَصْلًا كَمَا أَنَّ النُّصُوصَ يُوجِبُ الْأَحْكَامَ بِعَيْنِهَا سَوَاءٌ عُقِلَ مَعْنَاهَا أَوْ لَمْ يُعْقَلْ.

وَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ إذَا اُحْتِيجَ إلَى الْقِيَاسِ يُعْتَبَرُ الْمَعَانِي فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا اُحْتِيجَ إلَى الِاسْتِعَارَةِ تُعْتَبَرُ الْمَعَانِي لِيَصِحَّ اسْتِعَارَةُ هَذَا اللَّفْظِ لِمَعْنًى آخَرَ. فَلَمَّا ثَبَتَ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ مَقْصُودٌ فِي الْبَابِ. بِهِمَا أَيْ بِلَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. وُضِعَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا دَلَالَةٌ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الِاشْتِقَاقِ عَلَى الْمِلْكِ. صَحَّتْ التَّعْدِيَةُ بِهِ أَيْ صَحَّتْ تَعْدِيَةُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَكَانَتْ الْبَاءُ زَائِدَةً. أَوْ صَحَّتْ تَعْدِيَةُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ. بِهِ أَيْ بِكَوْنِ الْمِلْكِ ثَابِتًا بِهِمَا وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. إلَى مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّمْلِيكِ وَهُوَ الْأَلْفَاظُ الْمُتَنَازَعُ فِيهَا.

وَهَذَا بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِحْلَالِ وَأَخَوَاتِهَا فَإِنَّ الْإِجَارَةَ وَالْإِعَارَةَ لِتَمْلِيكِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ.

وَالْإِقْرَاضُ بِمَعْنَى الْإِعَارَةِ أَيْضًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ مَعَ أَنَّ الْإِقْرَاضَ فِي مَحَلِّ الْمُتْعَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْآدَمِيُّ وَالِاسْتِقْرَاضُ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا لَفْظُ الْإِحْلَالِ فَلَا يُوجِبُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ أَصْلًا وَكَذَا الْإِبَاحَةُ وَالتَّمَتُّعُ فَإِنَّ مَنْ أَحَلَّ لِغَيْرِهِ طَعَامًا أَوْ أَبَاحَهُ لَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنَّمَا يُتْلِفُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ فَكَذَا إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي النِّكَاحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>