للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ مَا وُضِعَ لَهُ اسْمُهُ وَمَا احْتَمَلَهُ مَحِلُّهُ وَهُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ عِبَارَةٌ عَنْهُ وَالنِّكَاحُ لَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ الرِّقِّ وَلَا يَسْلُبُ الْمَالِكِيَّةَ وَإِنَّمَا يُوجِبُ قَيْدًا فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا إطْلَاقَ الْقَيْدِ وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لُغَةً يُقَالُ عَتَقَ الطَّيْرُ إذَا قَوِيَ وَطَارَ عَنْ وَكْرِهِ وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ.

وَيُقَالُ عَتَقَتْ الْبِكْرُ إذَا أَدْرَكَتْ وَهَذَا شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَكَذَلِكَ الرِّقُّ ثَابِتٌ عَلَى الْكَمَالِ وَسُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ سَاقِطٌ فَصَحَّ الْإِعْتَاقُ إثْبَاتًا وَلَيْسَ بَيْنَ إزَالَةِ الْقَيْدِ لِتَعْمَلَ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ عَمَلَهَا وَبَيْنَ إثْبَاتِهَا بَعْدَ الْعَدَمِ مُشَابَهَةٌ كَمَا لَيْسَ بَيْنَ إحْيَاءِ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ إطْلَاقِ الْحَيِّ مُشَابَهَةٌ

ــ

[كشف الأسرار]

وَبُطْلَانُهُ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ.

وَذَلِكَ يُبْطِلُ الِامْتِحَانَ أَيْ الِاسْتِعَارَةَ بِكُلِّ وَصْفٍ يُبْطِلُ الِامْتِحَانَ فَإِنَّ الْمَجَازَ طَرِيقٌ وُضِعَ يَزْدَادُ الْكَلَامُ بِهِ حُسْنًا وَطَرَاوَةً وَبَهْجَةً وَفَصَاحَةً وَيَتَمَيَّزُ الذَّكِيُّ مِنْ الْغَبِيِّ فِي إبْدَاعِ الِاسْتِعَارَاتِ وَالتَّعْرِيضَاتِ وَاسْتِخْرَاجِ غَرَائِبِ التَّشْبِيهَاتِ فَلَوْ جَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ بِكُلِّ وَصْفٍ لَزَالَ حُسْنُ الْكَلَامِ وَذَهَبَتْ طَرَاوَتُهُ وَصَارَ الْمَجَازُ مِنْ عُيُوبِ الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ مَحَاسِنِهِ وَلَاسْتَوَى الْبَلِيغُ الْمَاهِرُ فِي فُنُونِ الْكَلَامِ الْعَالِمُ بِجِهَاتِ الْفَصَاحَةِ وَمَنْ لَمْ يَشُمَّ رَائِحَةً مِنْهَا وَغَفَلَ عَنْ لَطَائِفِهَا وَهُوَ خِلَافُ الْعَقْلِ وَالْإِجْمَاعِ.

قَوْلُهُ (وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ وَهُوَ الْمُشَاكَلَةُ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ الْمَشْهُورِ الَّذِي وُضِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ رَفْعُ الْقَيْدِ لُغَةً وَشَرْعًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مَا وُضِعَ لَهُ اسْمُهُ وَمَا احْتَمَلَهُ مَحَلُّهُ. أَمَّا لُغَةً فَلِأَنَّ مَعْنَاهُ التَّخْلِيَةُ وَالْإِرْسَالُ يُقَالُ أَطْلَقَ الْمُقَيَّدَ وَالْمَسْجُونَ إذَا خَلَّى سَبِيلَهُ وَأَرْسَلَهُ وَأَطْلَقَ الْبَعِيرَ إذَا رَفَعَ عِقَالَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ.

وَمِنْهُ أَطْلَقْت الْأَسِيرَ إذَا حَلَلْت إسَارَهُ وَخَلَّيْت عَنْهُ وَالتَّرْكِيبُ يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ وَالِانْحِلَالِ. أَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُوجِبُ الرِّقَّ حَقِيقَةً وَلَا يَسْلُبُ الْمَالِكِيَّةَ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لَهَا بَعْدَ النِّكَاحِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا بَقِيَتْ أَهْلًا لِلشَّهَادَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لَهَا لَا لِلزَّوْجِ لَكِنَّهَا صَارَتْ مَحْبُوسَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ مُقَيَّدَةً شَرْعًا حَتَّى لَمْ يَحِلَّ لَهَا الْخُرُوجُ وَالْبُرُوزُ بِدُونِ إذْنِهِ وَلَمْ يَحِلَّ لَهَا تَزْوِيجُ نَفْسِهَا مِنْ أَحَدٍ فَالطَّلَاقُ يُزِيلُ الْحَبْسَ وَيَرْفَعُ الْقَيْدَ الَّذِي أَثْبَتَهُ النِّكَاحُ عَنْهَا فَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الَّذِي احْتَمَلَهُ الْمَحَلُّ لَا غَيْرُ. وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

قَالَ «النِّكَاحُ رِقٌّ» . مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبِ مِلْكٍ ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا ذَكَرْنَا لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ. فَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ لُغَةً وَشَرْعًا أَمَّا لُغَةً فَلِأَنَّهُ يُقَالُ عَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ حَتَّى طَارَ عَنْ وَكْرِهِ وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ لِكَوَاسِبِهَا مِثْلُ الصَّقْرِ وَالْبَازِي لِزِيَادَةِ قُوَّةٍ وَغَلَبَةٍ فِيهَا وَهُوَ جَمْعُ عَتِيقٍ وَيُقَالُ عَتَقَتْ الْبِكْرُ إذَا أَدْرَكَتْ وَقَوِيَتْ.

وَهَذَا شَائِعٌ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُنْتَشِرٌ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَأَمَّا شَرْعًا فَلِأَنَّ الرِّقَّ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ ثَابِتٌ عَلَى الْكَمَالِ، وَسُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ أَيْ تَسَلُّطُهَا سَاقِطٌ أَيْ مَعْدُومٌ حَتَّى الْتَحَقَ الْمَرْقُوقُ بِالْبَهَائِمِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَهَادَةٌ وَلَا وِلَايَةٌ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إحْيَاءً لَهُ وَإِثْبَاتًا لِلْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ وَلَيْسَ بَيْنَ إزَالَةِ الْقَيْدِ لِيَعْمَلَ الْقُوَّةَ الثَّابِتَةَ عَمَلَهَا وَبَيْنَ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ بَعْدَمَا عُدِمَتْ مُشَابَهَةٌ كَمَا لَيْسَ بَيْنَ إحْيَاءِ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ إطْلَاقِ الْحَيِّ مُشَابَهَةٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ احْتِجَاجُ نُمْرُودَ اللَّعِينِ بِقَوْلِهِ {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: ٢٥٨] فِي مُحَاجَّتِهِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيْثُ جَعَلَ رَفْعَ الْقَيْدِ عَنْ الْمَحْبُوسِ مُعَارِضًا لِلْإِحْيَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ امْتَنَعَتْ الِاسْتِعَارَةُ لِانْسِدَادِ طَرِيقِهَا بِالْكُلِّيَّةِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ بِإِثْبَاتِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ بَلْ هُوَ إزَالَةُ الْمَانِعِ كَالطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَالِكِيَّةَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا فَإِنَّهُ خُلِقَ حُرًّا مَالِكًا فِي الْأَصْلِ وَحُلُولُ الرِّقِّ فِيهِ يَمْنَعُ الْقُوَّةَ كَالنِّكَاحِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إزَالَةَ الْمَانِعِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ وَالْإِثْبَاتَاتِ لَا تَعَلُّقٌ بِالشُّرُوطِ.

(قُلْنَا) بَلْ الْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ بِسَبَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ أَصْلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>