للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

النَّقْلَ إلَى الْمُسْتَعَارِ لَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ عَيْنُهُ عَيْنَهُ.

وَكَذَا صِفَتُهُ لَا تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الشَّيْءِ هِيَ الْقَائِمَةُ بِهِ فَكَيْفَ تَقْبَلُ النَّقْلَ عَنْهُ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الِانْتِقَالُ فِي اللَّفْظِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّجَاعَةَ الَّتِي فِي الْأَسَدِ لَا تَنْتَقِلُ إلَى الْإِنْسَانِ بِاسْتِعَارَةِ لَفْظِ الْأَسَدِ لَهُ وَلَكِنَّ اللَّفْظَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْخَلَفِيَّةَ فِي التَّكَلُّمِ لَا غَيْرُ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ الَّذِي لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي فَعَلَى قَوْلِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ يَلْغُو هَذَا الْكَلَامُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا.

وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ يَعْتِقُ هَذَا الْعَبْدُ وَيَصِيرُ هَذَا الْكَلَامُ عِبَارَةً عَنْ قَوْلِهِ عَتَقَ عَلَيَّ مِنْ حِينِ مَلَكْته بِطَرِيقِ ذِكْرِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يَنْعَقِدْ لِإِيجَابِ حُكْمِ الْحَقِيقَةِ أَصْلًا وَهُوَ الْبُنُوَّةُ فَيَلْغُو كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ أَوْ قَالَ هَذَا أَخِي أَوْ قَالَ لِغُلَامٍ صَغِيرٍ لَهُ هَذَا جَدِّي أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذِهِ بِنْتِي أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ هَذَا غُلَامِي. وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِي، وَابْنُ خَمْسِينَ سَنَةً يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَاءِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ عِبَارَةً عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَلَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْخَلَفِ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِي مَخْرَجِهِ صَحِيحًا مُوجِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِهِ بِعَارِضٍ فَيَخْلُفُهُ الْمَجَازُ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ لِإِيجَابِ حُكْمٍ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَجَازُ خَلَفًا عَنْهُ فَيَلْغُو كَمَا فِي النَّظَائِرِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِمَعْرُوفِ النَّسَبِ هَذَا ابْنِي حَيْثُ يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي مَخْرَجِهِ صَحِيحٌ مُوجِبٌ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ لَوْلَا الْعَارِضُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بِالزِّنَا أَوْ بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ لَكِنَّهُ لَمَّا اُشْتُهِرَ نَسَبُهُ مِنْ الْغَيْرِ لِوُجُودِ ظَاهِرِ الدَّلِيلِ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ مِنْهُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْغَيْرِ فَيَصِحُّ أَنْ يَخْلُفَهُ الْمَجَازُ.

وَنَظِيرُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَلِفُ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ مُوجِبًا لِلْأَصْلِ وَهُوَ الْبُرْهَانُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّمَاءَ عَيْنٌ مَمْسُوسَةٌ فَيَصْلُحُ لِإِيجَابِ الْخَلَفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَارِضِ وَهُوَ الْعَجْزُ الْحَالِيُّ فَأَمَّا الْغَمُوسُ فَلَمْ تَنْعَقِدْ لِإِيجَابِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْبِرُّ فَلَا تَصْلُحُ مُوجِبَةً لِلْخَلَفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَظِيرُ الْغَمُوسِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ فِي مَعْرُوفِ النَّسَبِ لَا يَعْتِقُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بَلْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَمَا ذَكَرْنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ مَائِهِ وَأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ فَيُصَدَّقُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ نَفْسِهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ فَيَثْبُتُ أَحْكَامُهُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَلِهَذَا صَارَتْ أُمُّ الْغُلَامِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ لِمَجْهُولِ النَّسَبِ وَثَبَتَتْ حَقِيقَةُ الْبُنُوَّةِ وَهَهُنَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِلِاسْتِحَالَةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَصْغَرُ سِنًّا مِنْهُ هَذِهِ بِنْتِي وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَلَوْ اُعْتُبِرَ النَّسَبُ ثَابِتًا فِي حَقِّهِ لَحَرُمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِهِ لَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ وَكَلَامُهُ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّسَبِ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ إزَالَةَ الْمِلْكِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَإِنَّمَا مُوجِبُهُ انْتِفَاءُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ مِنْ الْأَصْلِ وَذَلِكَ حَقُّهَا لَا حَقُّهُ فَلَا يُصَدَّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>